الرأي

جائحة “كوفيد 19” تهيئنا لمواجهة راجفات 2020

حبيب راشدين
  • 2202
  • 8
أ ف ب
شاحنة تبريد تستخدم كمشرحة مؤقتة قرب مستشفى في حي بروكلين بمدينة نيويورك الأمريكية يوم الأربعاء الأول من أفريل 2020

بعد شهرين من التعامل الحكومي والشعبي مع جائحة كورونا، تتراكم مؤشرات كثيرة على تطور الأداء نحو الأحسن، وخروج الحكومة ومؤسسات الدولة من الارتجال والارتباك اللذين تميزت بهما الأيام الأولى، إلى المواجهة المنظمة، وتجنيد موارد الدولة الطبية والأمنية لمحاصرة بؤر التفشي الأولى بوسط البلاد، قبل تعميم الإجراءات على باقي ولايات البلاد بحصيلة مشجعة، في بلد خرج من عام صعب، كانت الدولة فيه مهددة بالانهيار، وهي مطالبة اليوم بإعداد الشعب لمواجهة أزمة اقتصادية عالمية سوف تنسي الجميع فاجعة كورونا.

يقينا لم تكن البلاد مؤهلة لمواجهة وباء فيروسي غامض، تحول بسرعة إلى جائحة عالمية سريعة الانتشار، عطلت الاقتصاد العالمي، وشلت التجارة وحركة الإفراد والسلع، وقد فاقمها انهيار غير مسبوق لأسعار النفط والغاز، وسبقها توقف النشاط الاقتصادي بنسب كبيرة طيلة عام 2019 على خلفية الحراك الشعبي، وانشغال البلد بتدبير الانتقال الآمن تحت سقف الدستور.

وبكل أريحية، نكتشف أن مؤسسات الدولة ـ ومع ما كان ينخرها من فساد وتسفل ـ لم تكن مهترئة حد السقوط ساعة المواجهة، بما في ذلك المؤسسة الصحية التي تكون قد استوعبت الصدمة بعد حين، وبدأت تتعامل بقدر من الحرفية مع الجائحة، مع قلة الوسائل، والفوضى التنظيمية السائدة قبل ظهور الوباء.

فعلى المستوى السياسي استطاع رئيس الجمهورية أن يجند حكومة ناشئة، كانت قد استلمت قبل أسابيع مهامها، ضمن لنا حتى الآن استمرار تدفق الخدمات الأساسية: في الطاقة، والماء، والسلع الغذائية، خفف على المواطن الكثير من المخاوف، وكان له الفضل في انصياع المواطنين السلس لإجراءات الحجر والتباعد الاجتماعي.

ويحسب للدولة أنها تبنت في وقت مبكر مبدأ فك الارتباط المتدرج مع الخارج، باستثناء التراخي حيال وقف الرحلات مع أوروبا، وفرنسا تحديدا التي كانت المصدر الأول لانتقال الوباء للجزائر، كما لا يحق لنا أن نحاسبها على اعتماد مبدأ الحجر والتباعد الاجتماعي، حتى حين كانت حالات الإصابات قليلة دون المائة حالة، قد يشفع لها إلمامها بضعف المؤسسات الاستشفائية، وقلة استعدادها وتجهيزها لمواجهة وباء، نراه يعري ويرهق الأنظمة الصحية في كبرى الدول وأغناها.

ومن جهته، يحسب للمواطن الجزائري خروجه السريع من حالة الصدمة التي صنعها له ولبقية شعوب العالم إعلام مضلل، تحركه قوى خفية خادمة لأجندة لم تتضح بعد معالمها ومآلاتها، وربما قد ندين لهذا الوباء بأفضال كثيرة، ليس أقلها تنامي روح التكافل والتضامن بين المواطنين، وسرعة استجابتهم لتقبل إجراءات استثنائية، سهلت على الدولة وعلى مؤسساتها الأمنية تطبيقها بيسر، وأعفت البلاد حتى الآن من الحاجة لاستدعاء الجيش كما بادرت إلى ذلك كثير من الدول الغربية والعربية.

ومع بداية تسجيل حالة من الاستقرار في معدلات الإصابات والوفيات، وبداية التحكم في البؤرتين الأساسيتين بالبليدة والعاصمة، وإعادة تأهيل المؤسسات الصحية، وتعميم بروتوكولات التكفل الطبي بالمصابين، فإن الأطقم الطبية الوطنية باتت اليوم أكثر جاهزية للتعامل مع الوباء بوتيرته الحالية على الأقل.

غير أن هذا اللوح الإيجابي، لا ينبغي أن يشجع على التراخي والتهاون، لا من جهة مواصلة إجراءات تعزيز قدرات المنظومة الصحية الوطنية، ولا من جهة إجراءات العزل والتباعد التي سوف تتواصل بلا شك حتى نهاية شهر رمضان وبداية الصيف، وهي إكراهات تتطلب من الدولة التفكير في تدبير إجراءات استثنائية خاصة، لضمان عودة متدرجة للنشاط الاقتصادي في الصناعة والفلاحة وبعض الخدمات، والتفكير في حل عقلاني لتداعيات الجائحة على المنظومة التعليمية يستشار فيه أهل الاختصاص.

بقي أن نذكر أنفسنا بحاجة البلد إلى الحفاظ على هذا القدر من التجنيد والتضامن، ليس فقط لمواصلة مواجهة جائحة كورونا وتطويقها، بل إن البلد بحاجة إلى مزيد من التجنيد والتضامن لاستقبال راجفة الانهيار المبرمج للاقتصاد العالمي، بإعادة توجيه طاقات البلاد ومواردها البشرية والمالية نحو ضمان الحاجات القاعدية: في الغذاء، والماء، والطاقة، والعلاج، والأمن، إلى أن تتبين لنا معالم الاقتصاد العالمي البديل وما يمنحه لنا من فرص.

مقالات ذات صلة