الرأي

جائزة نوبل.. حلمٌ وعصارة علم

محمد بوالروايح
  • 2530
  • 8

تحمل جائزة نوبل اسم قامة علمية كبيرة وهو العالم السويدي “ألفريد نوبل” الذي أسس جائزة سنوية تمنح للموهوبين والمتميزين في المجالات العلمية والأدبية وللعاملين في مجال السلم العالمي. إن جائزة نوبل إنجازٌ علمي كبير لا تدركه إلا العقول الكبيرة التي رفضت أن تكون نسخة مكررة من شاكلة النسخ الرديئة الكثيرة المحسوبة على العلم، والتي تسعى إلى الشهرة بأيِّ طريقة مع أنه ليس في جعبتها وكنانتها ما تقدمه لأنها لا تملكه أصلا وفاقد الشيء لا يعطيه.
إن العقول الكبيرة الموشحة والمرشحة لجائزة نوبل هي العقول التي نراهن نحن في العالم العربي والإسلامي على أن يكون لنا نصيبٌ منها، وهي بالتأكيد موجودة، ولكنها أكرِهت على التخفّي فلا تظهر إلا على استحياء لأنها تعلم أن العقل العربي والإسلامي غير مرغوب فيه ولو جمع علوم الأولين والآخرين، ليس هذا القول من ابتداعنا وإنما هي الحقيقة التي ينطق بها المشهد العلمي عندنا، المشهد القاتم الذي يكرس معاداة أهل العلم أو اعتزالهم أو إجبارهم على الاعتزال بسبب ما يعانونه من الإهمال وقلة الاهتمام.
هناك حقيقة مرة وهي أن من العرب والمسلمين، عوامهم وعلماءَهم، هم من زهدوا في جائزة نوبل، ولم يقفوا عند هذا الحد بل تعدوه إلى تزهيد الناس فيها بدعوى أنها ابتداعٌ غربي وأن مؤسسها أو المؤسسة التي تشرف عليها مؤسسة مسيحية مدعومة من اللوبي اليهودي، إلى غير ذلك من الأعذار التي ليس لها في ميزان الدين وميزان العقل أيُّ قيمة، لأن الإسلام لا يعادي العلم ولا يتعامل معه بمعيار الحل والحرمة، طالما أنه علمٌ مادي معياري لا يتعلق بأصول الدين، إن العلم بهذا المعنى لا وطنَ ولا عقيدة له لأنه عصارة العقل البشري ومن ثم فهو ميراثٌ بشري جامع.
إن الذين زهدوا في جائزة نوبل وزهَّدوا فيها قد أثبتوا أنهم غير جديرين بالانتماء إلى أمة “اقرأ”؛ فمتى كان الإسلام معاديا للعلم وهو الدين الذي استطاع المسلمون أن يستلهموا من نصوصه وتوجيهاته الربانية والنبوية ما مكنهم من تأسيس حضارة إسلامية عمرت قرونا متطاولة قبل أن يدب إليها الضعف وتنتهي وتختفي بعد أن تمكنت العقول الكليلة في السنوات العجاف من زحزحة العقول الكبيرة واستعانت عليها بقوة المال وقوة السلطان؟
إن الذين زهدوا في جائزة نوبل وزهّدوا فيها قطاعا من الحيارى والمغلوبين هم بيقين امتدادٌ للمهزومين فكريا وحضاريا الذين عادوا بعض النظريات العلمية، فقط لأن أصحابها مسيحيون أو يهود أو هنود مع أنها تتحدث عن أصول المادة ولا تتعلق بأصول الديانة.
إن جائزة نوبل حلمٌ وعصارة علم وهي المخرج لهزائمنا العلمية والمعرفية، والملاذ لجامعاتنا من التصنيف العالمي المُذلّ الذي يضعنا في كل مرة في ذيل الترتيب ثم نجد من إخواننا من يهوِّن علينا بعبارة “لا تثريب عليكم” التي لا تزيد كثيرا منا إلا إصرارا على الفشل والرضى به كأنه قدرٌ محتوم.
إن جائزة نوبل حلم وعصارة علم، وهي الغاية التي يجب أن تتعلق بها همة كل باحث غيور على دينه ووطنه ويتطلع إلى أن يضمن لوطنه مكانا لائقا ورائقا وراقيا تحت الشمس في زمن التكتلات السياسية والإيديولوجية والإقليمية التي تتخذ من النخبة العلمية في الغالب الأعم وسيلة لفرض منطقها الحضاري وتمرير مشاريعها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها.
إن جائزة نوبل حلم وعصارة علم وهي الغاية التي يجب أن تسعى لها وتيسِّر سبلها الجامعاتُ الجزائرية التي نعلم علم اليقين أنها لا تعدم عقولا كبيرة ولو أن أكثر عقولها مهاجرة في جامعات العالم، وهي رهن الإشارة في كل حين لأنها تؤمن بأن للوطن دينا عليها وأنه أحق بالعطاء والنماء من كل الأوطان.
إن جائزة نوبل حلم وعصارة علم وهي الغاية التي يجب أن يعمل لها الباحثون العرب والمسلمون الذين تُعقد عليهم الآمال في معركة العودة إلى مسرح الحضارة الذي طُردنا منه بعد أن استوى عندنا العالمون والذين لا يعلمون مع أننا نقرأ في كتاب ربنا الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه قوله تعالى: “قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون”.
إن جائزة نوبل حلم وعصارة علم وهي الغاية التي يجب أن تسعى في طلبها النخبة الجامعية من أجل أن ننفض غبار السنين العجاف التي جعلتنا نتقهقر إلى الصفوف الأخيرة بل ونستقر ونقرّ في آخرها، ورغم ذلك يطلع علينا من يقول “إننا في وضع علمي مريح؟!” مع أننا لا نجد له في الحقيقة لونا ولا طعما ولا رائحة.
إن جائزة نوبل حلم وعصارة علم وهي الغاية التي يجب أن يسعى لها الباحثون الذين يعلمون أن الدولة الجزائرية ترصد في كل سنة مالية حتى في زمن التقشف ميزانية هائلة للبحث العلمي، فأقل الواجب أن نعمل بفكرة الأخذ والعطاء وأن نرد للوطن بعض الجميل بنجاحات علمية تكلل بجائزة نوبل وهو إنجاز غير عصي على العقل الجزائري الذي يشهد له القاصي والداني بالتفوّق والتميز والذي يساهم للأسف الشديد ولسنوات في النهضة العلمية لبلدان أخرى.
إن جائزة نوبل حلم وعصارة علم وهي الجائزة التي يتنافس فيها الباحثون والمخترعون من كل الجامعات العالمية، والتي تخلو أو تكاد من مرشحين عرب ومسلمين وكأنه حبس عنها حابس الفيل مع أن عقولنا المفكرة والمبدعة أكثر من أن تحصى.
إن جائزة نوبل حلم وعصارة علم، ولكننا لن ندركها إلا بعد أن ننتقل من طور البحث التقليدي الذي لا جِدَّة فيه ولا ابتكار إلى البحث الإبداعي الاستكشافي الذي يمكن أن يكون قيمة مضافة ونستحق أن ندخل به ميدان المنافسة على جائزة نوبل التي لا ينالها إلا من هو أحقّ بها وأهلٌ لها.

إن الذين زهدوا في جائزة نوبل وزهَّدوا فيها قد أثبتوا أنهم غير جديرين بالانتماء إلى أمة “اقرأ”؛ فمتى كان الإسلام معاديا للعلم وهو الدين الذي استطاع المسلمون أن يستلهموا من نصوصه وتوجيهاته الربانية والنبوية ما مكنهم من تأسيس حضارة إسلامية عمرت قرونا متطاولة قبل أن يدب إليها الضعف وتنتهي؟

مقالات ذات صلة