-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

جاليتنا في فرنسا.. من الاغتراب إلى المواطنة أم العكس؟!

حمزة يدوغي
  • 2087
  • 0
جاليتنا في فرنسا..  من الاغتراب إلى المواطنة أم العكس؟!

إن الاغتراب، سواء كان قسريا أو طوعيا، يظل تجربة ذاتية إنسانية عميقة لما لها من تأثير بالغ في الفكر والوجدان على حد سواء، والاغتراب عموما يكاد يكون سمة من السمات المميزة لهذا العصر الذي يشهد تطورا سريعا وتغيرا مستمرا في ظروف العيش، لذلك نجد أن هذه الظاهرة في اتساع مستمر مما جعل مصطلح الاغتراب من أكثر المفاهيم شيوعا واستخداما في العلوم الإنسانية الحديثة..

ومما لا يخفى على أحد في المجال أن الجالية المغاربية عموما والجالية الجزائرية خصوصا هي أكبر جالية مهاجرة في فرنسا وأقدمها وجودا وذلك لأسباب تاريخية معروفة.

لقد حظيت هذه الجالية وماتزال تحظى باهتمام الباحثين المختصين في شتى  فروع العلم والمعرفة، وذلك بالنظر إلى تعدد الجوانب التي تطبع وضعيتها، سواء في الجانب التاريخي أو الاجتماعي أو الثقافي أو الاقتصادي أو السياسي، والحديث عن هذه الجالية ينبغي أن يكون على مرحلتين مرحلة الاغتراب، وهي التي عانى فيها الجزائريون كل أبعاد هذه الكلمة ومعانيها، فقد عاشوا تمزقا داخليا، أجسامهم في بلد وعقولهم ووجدانهم في وطنهم الأصلي، حيث الأهل والولد الذين هاجروا أصلا في سبيل إعالتهم وتوفير العيش الكريم لهم، ولكن معاناتهم في الأصل لم تنحصر في كونهم عاشوا وسط مجتمع يخالفهم في الدين واللغة والعادات والاهتمامات والمبادئ والقيم، بل إن هذه المعاناة ناتجة من شعورهم بالقهر النفسي، لأنهم ينظر إليهم باعتبارهم أيدي عاملة رخيصة جاهزة ومضطرة لا حول لها ولا قوة.

هذه المرحلة أعقبتها مرحلة المواطنة والمساواة، فالمعاناة التي عرفتها الأجيال المتعاقبة من المهاجرين الجزائريين إلى فرنسا، منذ تواجدهم عليها قسرا واضطرارا منذ العقود الأولى من القرن العشرين كان لها دورها الإيجابي الذي استفاد منه الجيل الجديد الذي يعيش اليوم وضعا مغايرا، إنه جيل يحمل في ذاكرته  ووجدانه هذا الموروث التاريخي الذي يعكس معاناة أجداده وآبائه، وهو يدرك تمام الإدراك أنه قد انتقل من مرحلة الإنسان المغترب المقهور الأجير المطبع إلى مرحلة الإنسان المواطن الحر الكريم الذي يساهم بوعي وكفاءة وبكل حرية في إعمار البلد الذي اختاره للإقامة فيه.

هذا الجزائري – المواطن – المقيم في فرنسا ما فتئ ينتزع الاحترام بفضل كفاءته العلمية والمهنية التي فتحت له أبواب العمل في مختلف المؤسسات التعليمية والصحية والاقتصادية والإدارية هذا الجيل له – بطبيعة الحال – هموم وانشغالات غير التي كانت لآبائهم وأجدادهم الذين عاشوا “كمغتربين” لا “كمواطنين”، وهذا الجيل يدرك بوعي ما ينجر عن هذه “المواطنة” من واجبات مقابل ما تضمنه له من حقوق، وأول هذه الواجبات هو احترام البلد الذي يقيم فيه واختاره بمحض إرادته، أي أن يحترم نظمه وقوانينه، لأن المواطنة في أبسط تعاريفها هي العلاقة القائمة بين شخص طبيعي ومجتمع سياسي أي الدولة، فهي نوع من العقد يتفق طرفاه على أن يقوم الأول”المواطن” بالولاء والوفاء ويقوم الثاني”الدولة” بالحماية والرعاية.

ولقد تطور مفهوم المواطنة – كما نعلم جميعا- تطورا كبيرا خلال العشرية الأولى من بداية هذا القرن، وأصبح يميل إلى العالمية، بعد أن أصبحت له مواصفات “المواطنة الدولية” المتمثلة بصفة خاصة في الاعتراف بوجود ثقافات وديانات مختلفة واحترام حقوق الغير، وأولها الحق في”التميز”.

فمصطلح “المواطنة العالمية” الذي أفرزته الاجتهادات الغربية اليوم أصبح رائجا في الخطاب المعاصر، بمعنى “المواطنة عديدة الأبعاد” إن جاليتنا المقيمة في فرنسا مثقفة واعية، وتدرك هذه المفاهيم إدراكا جيدا، لكن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم، باعتبار الظروف المتميزة التي تعيشها، والتي تسبب فيها الإرهاب المقرون بالإسلام، في أذهان أعدائه وجاهليه على حد سواء هو: كيف تحافظ على عناصر هويتها وتوفق بينها وبين أداء واجب المواطنة، من جهة وكيف يخدم وطنه الأصلي من جهة ثانية؟

إن”الأسوياء” والنزهاء والمنصفين من الفرنسيين يعترفون -من دون عقدة-بأن الجالية الجزائرية في فرنسا أصبحت – بوعيها وكفاءتها جزءا من المعادلة الوطنية داخل المجتمع الفرنسي بعد أن أثبتت وجودها وتفاعلت مع الواقع بإيجابية، سياسيا وثقافيا واجتماعيا.

الجواب هو حسن استغلال الحقوق نفسها التي تمنحها لها “المواطنة” من أجل الحفاظ على هذه الهوية، فالجزائري المقيم اليوم في فرنسا غير مكان الإقامة في بعدها الجغرافي ومحيطها الاجتماعي والثقافي، لكنه لم يغير دينه ولغته وتاريخه، وهو يعلم حق العلم أنه لا يوجد أي تعارض بين الحفاظ على هويته وإغناء المجتمع الغربي الذي يقيم فيه بفكر وأساليب في العيش مختلفة ومتميزة عنه، وهذا ما يعرف بتقديم “إضافة” للمضمون الحضاري الإنساني العام.

لكن الواقع الذي تعيشه جاليتنا اليوم لا يعكس هذه المعاني، وهذه المفاهيم التي بدأ “تفريغها من محتواها” منذ بروز ظاهرة “الإسلاموفوبيا” في الغرب عموما وفي فرنسا بشكل خاص، حيث اقترن الإرهاب بالإسلام في أذهان أعدائه والحاقدين عليه، على غرار اليمين المتطرف الذي توسعت دائرة نفوذه وتعززت صفوفه بكل العنصريين الذين يتخذون من ضرورة محاربة الإرهاب ذريعة للتضييق على العرب والمسلمين، فشعارهم جميعا هو”كل مسلم مقيم عندنا هو عدوّ لنا”. إن جاليتنا تعيش في مناخ عدواني شرس وكل المؤشرات توحي بأن الوضع المتأزم الذي تعانيه مرشح لمزيد من التأزم، مما قد يقلب -لا قدر الله- هذه المعادلة، وتشهد جاليتنا “نقلة” أخرى من المواطنة إلى الاغتراب نسأل الله أن يحفظ كل أفراد جالياتنا وأن يديم عليهم لطفه وعنايته.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • مواطن

    إن الإقرار بأن الهجرة اختيار شخصي واستعمال لفظ الجالية الجزائرية بفرنسا يعد تناقض في الحكم.ذلك أننا نتهرب مثل دولنا من مساعدة أبناء جلدتنا وكأننا نتبرأ منهم لنرميهم فريسة تهضم حقوقهم في بلد الغربة.إن الإجرام لا يقبله عاقل لكن لماذا نسكت عن اضطهاد أبناء ديننا لمجرد ارتداء منديل على الرأس ويفصلون عن الدراسة ولا تستنكر دولتنا هذه الأفعال المنافية للعقل وحرية الإنسان فلمن يلجأ هؤلاء؟لماذا لا نسلك سبل دفاع الجالية اليهودية عن أعضائها؟إن الانهزامية لا تجدي نفعا ولا أعني بذلك الاعتداء على الغير.

  • حاج براهيم

    هاذا هو بيت القصيد
    كما يقال=في روما افعل مثل الروم A Rome Tu Fais comme Les Romains
    الجالية الجزائرية بفرنسا لا و لم ولن تحاول تغيير المباديء التي بنت فرنسا عليها مؤسساتها والجالية الجزائرية لا تحاول تغيير هوية ودين ولغة الفرنسيين
    عكس ما فعله العرب منذ قدومهم لشمال افريقيا وبالاخص عندنا في الجزائر
    ليسهل استعمارنا واستحمارنا
    ولننظر للدول العربية والمعربة وما يجري بها

  • الطيب

    يا أستاذ الأمة أصلاً تعيش الإنهزام أمام الغرب و زادتها بطاقة " إرهابي "التي ألصقت على ظهرها ذلاً على الإنهزام !!لاحظ يا أستاذ هذا الموقف البسيط فقط : كثيرًا ما نسمع حكومات الغرب تنصح رعاياها بتوخي الحيطة والحذر عندما تحدث تفجيرات أو هجومات داخل بلدان عربية أو بسبب معلومات قد تكون كاذبة !لماذا لا توجه حكوماتنا العربية مثل هذا التحذير لجاليتنا في الغرب !؟ التفسير هو " الإنهزام " . أما و لو كانت للجالية حكومات في بلادها قوية بعدلها و بالشعوب التي منحتها القيادة عن اقتناع لا خوف على هذه الجالية .

  • أحمد عليان

    كلام صواب فيما يتعلق بالاسلام فوبيا في ظرف خاص بأهل الغرب .. و يماثله كلام في التبشير فوبيا ، و التشيع فوبيا ، و العلمانية فوبيا عند أهل الشرق .