-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

جرائم القتل.. إلى أين!؟

سلطان بركاني
  • 2332
  • 0
جرائم القتل.. إلى أين!؟

المتابع لما تنشره الجرائد من أخبار تتعلّق بواقع المجتمع ويوميات النّاس، يلحظ تصاعدا لافتا لمنحى جرائم القتل، فلا تكاد تخلو صفحة من صفحات المحليات ولا الصّفحات الأخيرة لمختلف العناوين الصحفية من عناوين تحمل تحتها تفاصيل مروّعة لجرائم قتل ليس فقط في أوساط شباب المخدّرات والخلوات، وإنّما أيضا بين الجيران وبين الأقارب، بل إنّ أخبارا كثيرة تتحدّث عن جرائم قتل بين الأبناء ووالديهم، بسبب لعاعة الدّنيا، وبسبب خلافات تافهة حول مال أو متاع فانٍ.

أصبح إزهاق روحِ مسلمٍ معصوم الدّم كإزهاق روح بعوضة، وغدا من السّهل على كلّ من نفخ فيه الشّيطان نفخته أن يستلّ خنجرا ويطعن أخا مسلما على إثر خلاف حول مبلغ من المال أو أمتار من الأرض، بل قد بلغ الاستهتار بالأرواح إلى حدّ أصبح معه التّهديد بإسالة الدّماء يجري على الألسن لأتفه الأسباب، وصارت الخناجر لا تفارق جيوب كثير من النّاس، وتُستلّ مع أوّل كلمة خلافٍ تُسمع بين الأقارب والجيران والأقران، في الأسواق والطّرق العامّة، وعلى مداخل المدارس وفي وسائل النّقل!.

صار من الهيّن عند بعض المستهترين أن يقود الواحد منهم سيارته بسرعة جنونية وهو يعلم أنّه ربّما يتسبّب في إزهاق روح أو أرواح بريئة؛ حتى أصبحت حوادث المرور في هذا البلد تحصد أكثر من 4000 روح كلّ عام، أغلبها بسبب التهوّر واللاّمبالاة، أمّا الإجهاض، فقد أصبح أمرا هيّنا عند كثير من النّساء، حتى صارت حالاته تُعدّ في هذا البلد بالآلاف كلّ عام.. حالات الانتحار أصبحت هي الأخرى تعدّ بالمئات كلّ سنة، وعمّت الشّباب والنّساء وحتى الشّيوخ، وتشير بعض الإحصاءات إلى أنّه ينتحر شخصان كلّ يوم في هذا البلد.

ليس غريبا أن يستشري القتل وينتشر الانتحار في بلاد الغرب، حيث المادية المقيتة وحيث إنكار البعث والنّشور والحساب، لكن أن يحدث هذا في بلد مسلم حيث الإيمان بالبعث والنّشور والحساب والجنّة والنّار، فإنّ الأمر يحتاج إلى وقفات جادّة وصادقة، نتساءل معها: أمَا قرأنا في كتاب ربّنا قوله جلّ في علاه: ((وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً))؟.. آية تقشعرّ لها جلود عباد الله المؤمنين، وعيد لم يتوعّد به ربّ العالمين على ذنب آخر غير الشّرك والقتل؛ خلود في جهنّم وغضب من الله ولعنة وعذاب عظيم لمن أزهق روحه أو قتل نفسا بغير حقّ. لأجل هذا ربط المعصوم – صلّى الله عليه وآله وسلّم – القتل بالشّرك الذي لا يغفره الله جلّ وعلا، فقال عليه الصّلاة والسّلام: “كلّ ذنب عسى الله أن يغفره إلاّ من مات مشركا، أو مؤمن قتل مؤمنا متعمدا”، أي أنّه قتله قاصدا قتله، فإن زاد على ذلك بأن فرح بقتله، حبط عمله كلّه، يقول عليه الصّلاة والسّلام: “من قتل مؤمنا فاغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا”.

الرّوح أمانة تُنفخ في الجسد بأمر الله، ولا يجوز أن تُستلّ من الجسد إلا فيما أذن به الله، في حدّ شرعيّ، أو في جهاد مشروع ضدّ عدوّ كافر معتدي، وإزهاقُها بغير حقّ هو عند الله بمنزلة قتل أنفس أهل الأرض جميعا، يقول الحقّ جلّ في علاه: ((مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُون)) (المائدة، 32).

الأمر ليس بتلك السّهولة التي يظنّها المستهترون بالدّماء والأرواح؛ فالدّنيا بأسرها لا تساوي عند الله روح عبد مسلم، يقول نبيّ الهدى صلّى الله عليه وآله سلّم: ( لزوال الدّنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم، ولو أنّ أهل سماواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن لأدخلهم الله النار )، والعبد المؤمن يظلّ في فسحة من دينه، في رحمة الله وعفوه ومغفرته، حتى إذا أشرك بالله أو قتل نفسا بغير حقّ، استوجب غضب الله ولعنته، يقول نبيّ المرحمة عليه الصّلاة والسّلام: ( لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما ).

فالحذر الحذر أخي المؤمن أن تتّبع خطوات الشّيطان وتجعل له سبيلا إلى قلبك، يملؤه بالضّغينة على أخ من إخوانك المسلمين، لأجل قطعة أرض أو مبلغ من المال، أو أيّ متاع آخر، وينفخ في نفسك نفخة غضب تسوّل لك إزهاق روح معصومة، فتخسر دنياك وأخراك.. مهما رأيت في نفسك أنّك ظُلمت أو أنّ حقّك قد أُخذ، تذكّر أنّها دنيا فانية، لا تستحقّ أن تخسر لأجلها أُخراك.. أنزلْ مظلمتك بالله الذي تكفّل بنصرة المظلوم في الدّنيا والآخرة، وادعُه أن ينصرك ويردّ إليك حقّك، واصبر ولا تستعجل، واستحضر دائما وأبدا قول مولاك سبحانه: ((وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين))؛ جنّة عرضها السّماوات والأرض لمن كظم غيظه وأطفأ غضبه، فهل من الحكمة والعقل أن تخسرها لأجل أمتار من الأرض أو مبلغ من المال؟.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!