-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
مخالفة مرورية ومآرب شيطانية

جرائم من كل الأصناف داخل السيارات معتمة الزجاج

سمير مخربش
  • 6611
  • 0
جرائم من كل الأصناف داخل السيارات معتمة الزجاج
أرشيف

تجاوزت عملية استعمال الزجاج المعتم، في مركبات بعض الشباب والمراهقين حد المخالفة المرورية، لتتحول إلى غطاء لجريمة قائمة الأركان، يتعمد أصحابها أو بعضهم إخفاء ممارسات مشبوهة، من وراء ستار عازل يخفي حكايات لا تظهر للعلن.
هذا الحجاب العازل، أو الشريط البلاستيكي المعتم، يوضع على زجاج الركبة لم يكن له وجودا مع الأجيال السابقة، ولا يعرف له أثر في الكثير من البلدان، لكن مع الجيل الحالي، انتشر كالسيل، وارتقى إلى مقام الظاهرة التي غزت المركبات، فلا تكاد ترى إلا السواد يغطي السيارات التي تصنف في خانة المركبات المشبوهة. والظاهرة تنتشر خاصة وسط الشباب والمراهقين، وأولئك الكهول الذين يتنقلون بسيارات قديمة أو متوسطة القيمة، فيتعمدون إدخالها إلى الورشات المختصة في تركيب لواحق السيارات، لوضع هذا الشريط المعتم المعروف شعبيا باسم “الفيمي”، والذي أصبح في نظر البعض موضة ينبغي مواكبتها من باب التباهي والتقليد، وإخفاء ما بداخل السيارة، وليت الهدف يتوقف عند هذا الحد، بل لأصحاب الفكر المعتم مآرب أخرى من وحي الشيطان.

“الفيمي” في صدارة المخالفات المرورية
هذه الممارسة غير القانونية، تعرف انتشارا متزايدا عبر مختلف ولايات الوطن، وأضحت من المخالفات التي تتصدر حصيلة النشاطات الردعية لمصالح الأمن والدرك، وعلى سبيل المثال، سجلت مصالح أمن ولاية سطيف في شهر واحد 2295 مخالفة تتعلق باستعمال الشريط البلاستيكي المعتم، في المركبات السياحية، لتعتلي بهذا الرقم صدارة المخالفات المسجلة في الطرقات، والتي فاقت بكثير حصيلة المخالفات المتعلقة بتجاوز السرعة المسموح بها، والوقوف والتوقف التعسفي المعيق لحركة المرور وعدم احترام قواعد السياقة السليمة واستعمال الهاتف النقال وحزام الأمن، حيث تؤكد الحصيلة الميدانية لمصالح الأمن، أن الشريط المعتم أضحى من المخالفات الرائجة التي لا تضاهيها أي مخالفة أخرى.
وحسب قانون المرور، كما شرحه لنا رجل أمن، فإن تعتيم السيارة هو إضافة أي مادة إلى زجاج المركبة، من شأنها الحد من مجال رؤية السائق، وهي مخالفة حدّدها المشرّع ووضع لها غرامة مالية، وفي منشور رسمي لمصالح الدرك الوطني، فإن القانون لا يسمح بتعتيم المركبة، وللذين يتحدثون عن نسب معينة من التعتيم، فهذا المعتقد غير صحيح ولا وجود له في النصوص التنظيمية والقوانين سارية المفعول، حسب نفس الشرطي، فلا يوجد نص قانوني أو تنظيم يسمح بنسبة معينة من التضليل أو التعتيم استنادا إلى ما ورد في أحكام المادة 48 من القانون 01 ـ 14 المعدّل، والمتمم لقانون المرور المتعلق بتنظيم حركة المرور عبر الطرق وسلامتها وأمنها، والتي تنص على منع إلصاق الشريط البلاستيكي المعتم أو استعمال أي طريقة أخرى تعتم زجاج المركبة.
وعن إلزامية وضوح الرؤية وشفافيتها، تحدثت المادة 123 من المرسوم التنفيذي 04-381 المعدّل والمتمم، عن ضرورة شفافية الزجاج، الذي تجهز به المركبات، بما فيه الزجاج الأمامي الواقي من الريح، فلا ينبغي أن يتسبّب في رؤية الأشياء على غير حالها ولا على غير لونها.
ويؤكد المشرّع أن كل مركبة بها زجاج معتم، ترفع ضد صاحبها مخالفة في قانون المرور، عقوبتها تتمثل في غرامة جزافية مقدّرة بحدها الأدنى 3000 دج وفق المادة 66 /ج فقرة 9 من القانون رقـم 01-14 المعدّل والمتمم.
وحسب السيد عباس شينون، مسؤول الأمن العمومي بأمن ولاية سطيف، فإن القانون واضح لدى العام والخاص، وأي تعتيم مقصود للسيارة يعتبر مخالفة تستوجب العقوبة، وهذا لا يمس زجاج السيارات الذي تصنعه شركات المركبات لأنها ملزمة باحترام المعايير الدولية للسلامة، والزجاج الذي تستعمله هذه الشركات مدروس بطريقة علمية بحيث لا يحجب الرؤية عن السائق، في حين أن الشريط اللاصق يحجب الرؤية في المساء وكذلك في حال تلبد السماء بالسحب، وبالتالي، فهو يهدّد السلامة المرورية.

أفكار معتمة تسير في الطرقات
يقول السيد سعد فيلالي، صاحب مدرسة سياقة: “بقدر ما نقدّم النصائح للشباب خلال تعلمهم السياقة، بقدر ما نرى العكس في الطرقات، وأكاد أجزم بأن لأصحاب الشريط المعتم أهداف أخرى لا علاقة لها بالستر وحجب محتوى المركبة وتفادي التعامل مع باقي السائقين”، ويتهم آخرون هؤلاء بأهداف إجرامية محضة لا غبار عليها، حيث يتعمد بعض المراهقين إلصاق الشريط المعتم للتمكّن من استهلاك سجائر الكيف المعالج، وكل أنواع المخدرات والحبوب المهلوسة، التي توضع عادة في قوارير شراب القوة، أو في شيشات صغيرة متنقلة، كما يسمح لهم هذا الحجاب من شرب الخمر في وضح النهار واستهلاكه أثناء التجول بالسيارة وبشكل جماعي.
هذا فيما يخص الشق المتعلق بالمخدرات ومشتقاتها، وهناك شق ثان يتعلق بالممارسات المخلة بالحياء، حيث يتعمد أصحاب السيارة اصطحاب فتيات وممارسة الرذيلة في وضح النهار الذي يزول وضوحه مع وجود الشريط المعتم.
وقد تحدثنا مع بعض المراهقين الذين يتعمدون هذا الفعل، ويتسترون بالزجاج المعتم، ومن بينهم مراهق يدعى سفيان الذي كان صريحا معنا الى أبعد الحدود إذ يقول: “لا تصدق من يقول لك أن الشريط المعتم يستعمل للستر أو تجنّب نظرات الآخرين، بل الغرض منه إجرامي يتعلق مباشرة بتناول المخدرات داخل المركبة، وإقامة جلسات محرمة شرعا وقانونا، تستغل لاستهلاك السجائر المخدرة والحبوب المهلوسة”.
وفي حديث مع شاب آخر، يقول إنه يستغل هذه الوضعية مع صديقه لاحتساء الخمر داخل السيارة، دون لفت انتباه المارة ومستعملي الطريق، وهو النشاط الذي يكثر خاصة في فصل الشتاء أين يفضّل العديد من الشباب، يقول محدثنا، شرب الخمر داخل سيارة دافئة عوض الذهاب إلى التجمعات الموجودة خارج المدينة، أو في المناطق الصناعية، ولا ينكر محدثنا أن هذا الظاهرة تستغل أيضا لممارسة الرذيلة، وهذا ما أكده لنا شاب آخر، حيث يقول: “بكل وضوح، سيارة مشبوهة بداخلها شاب وفتاة، فاعلم أن ثالثهما الشيطان وحاميهما الشريط المعتم، فلا يمكن لهذه المواعيد أن ترتب في العلن، وبالتالي، لا يوجد أفضل من السيارات المخفية خاصة عندما تغيب الشقق الراعية لهذا النشاط”.
أحد الغارقين في مثل هذه الممارسات، أكد بأنه شاب وسيم ولديه عدد كبير من الصديقات، وفي كل مرة يصطحب واحدة وعليه أن يخفيها حتى لا تعلم به أخرى، وهنا لا يوجد أفضل من الشريط المعتم لأداء هذه المهمة.
والأخطر في الظاهرة هو استعانة بعض العصابات الإجرامية بالسيارات المعتمة لتوظيفها في عمليات قتل وسرقة واغتصاب واختطاف الأطفال، وهو الوجه الأكثر سوادا للشريط المعتم.

حجب الزوجة.. كذبة بيضاء وراء عازل أسود
وأما الذين يُعِدون أنفسهم من ذوي الذوق الرفيع، فيبررون استعمال الشريط المعتم بنية عدم إظهار زوجاتهم للناس، فيقولون بأن المارة وسائقي السيارات في بلادنا لا يستحون، ولا يغضون البصر ولا يصرفون النظر عن امرأة تركب مع زوجها، ويفضّلون الإمعان فيها دون حياء، وذلك الذي يحرج السائق ويدفعه الى استعمال الشريط المعتم كي يرتاح نهائيا من نظرات الناس. بينما هناك فئة أخرى تستعمل الشريط لتجنّب تدخلات باقي السائقين والمشادات الكلامية، التي تنتج عادة عن عدم احترام الأولوية أو باقي إشارات المرور، وهي التصرفات التي تنتهي في بعض الأحيان بشجارات وجرائم قتل مثيرة، ولذلك، يفضّل هؤلاء عدم الاحتكاك مع الغير بوضع هذا الحجاب السحري.
ومن جهتنا، طرحنا هذا الموضوع على الأستاذ حسام الدين شرادـ أستاذ الشريعة الإسلامية بثانوية “عبد القادر بن نويوة” بعين ولمان بولاية سطيف، الذي يفصل في هذا الشأن، فيقول إن الذين يتحججون بمنع الناس من النظر إلى زوجاتهم هم يكذبون على أنفسهم، ويستعملون هذا المبرر كغطاء فقط، وهو مبرر غير مقبول لأنه من غير المعقول أن يقوم هذا الشخص بإخفاء زوجته عندما تركب معه السيارة، ثم ينزل معها في الأسواق والمحلات والمطاعم والأحياء ليراها كافة الناس، وكان الأجدر به، يقول حسام، أن يضع الشريط المعتم لزوجته، فيأمرها بوضع النقاب وينتهي الأمر، ولا يحاسبه على ذلك أحد.
وأما الفئة الأخرى التي لا تريد التعامل مع باقي السائقين، فهي كذلك على خطأ، يقول محدثنا، لأن أي شخص يمر أمامك بسيارته المعتمة يغضبك ويزعجك، فأنت ترى تصرفا غير أخلاقي وغير تربوي، إضافة إلى أنه غير قانوني وغير مسؤول. مع العلم، يضيف شراد في تصريحه لـ”الشروق اليومي”، أن السير في الطريق يقوم على التواصل البصري بنسبة 70 بالمائة، حسب ما يردّده المختصون، “وأنا شخصيا كنت ضحية حادث اصطدام خفيف مع سيارة أخرى يستعمل صاحبها الشريط المعتم، فهو لم يحترم الأولوية وكان من المفروض أن يفسح لي الطريق، لكنه لم يفعل واصطدم بسيارتي، وكان يمكن تجنّب هذا الحادث لو كنت أرى السائق لأنه من خلال الرؤية يمكن معرفة الفعل الذي يريد أن يقوم به السائق الآخر، وبالتالي، فإن استعمال الشريط يتسبّب في حوادث مرور لأنه يلغي التواصل البصري بين السائقين، ناهيك عن تقليل الرؤية عند هذا السائق خاصة في المساء”. مع العلم، يضيف السيد حسام الدين، أن أغلب الذين يلجأوون إلى هذا السلوك هدفهم التستر على استهلاك المخدرات وممارسة الرذيلة. ولذلك، يقول محدثنا: “أدعو الجهات المعنية إلى تسليط عقوبة صارمة على الذين يستعملون الشريط المعتم الذي يغطي جرائم وحوادث خطيرة، ويفضّل رفع الغرامة المالية إلى 1 مليون سنتيم لوضع حد لهذه الظاهرة التي انتشرت بقوة وأفسدت المجتمع”.

إقبال متزايد على التعتيم
ومع وجود ورشات تقوم بتركيب هذا الشريط، فقد ساقنا الفضول إلى زيارة واحدة منها بولاية سطيف، أين تصادفنا مع صاحبها وهو يقوم بتركيب الشريط لسيارة سياحية من نوع “بيجو 307″، فسألناه مباشرة إن كان يعلم بأن هذا الشريط ممنوع، ودون تردّد أجابنا إذا كان ممنوعا، فلماذا يسمحون باستيراده، وكان ردنا أنه يسمح باستيراده لأنه يستعمل لتغطية زجاج نوافذ المنزل وأبواب المحلات وهذا مسموح.
ويرد محدثنا أن هناك من يفضّل استعماله في مركبته ليمنع الناس من النظر إليه وهو حر في ذلك، ويؤكد أنه يوميا يقوم بهذا النشاط، وله زبائن من مختلف الفئات والأصناف، لكن أغلبهم من الشباب الذين يفضّلون تغطية زجاج مركباتهم لتفادي الاحتكاك مع الناس. ويقول المكلف بالتعتيم في حديثه معنا: “هناك شبان يقبلون تسديد الغرامة المالية أكثر من مرة ويرفضون نزع الشريط، بل يقومون بترميمه إذا تمزق ويجدّدونه كلما اقتضى الأمر، ولا يمكنهم التنازل عنه لأن السيارة المعتمة لها هيبة وأناقة. وبالنسبة إلينا هذا مصدر رزق ولا يمكن أن نتخلى عنه، ونحن لا نتحمّل مسؤولية من وقع في يد الشرطة أو الدرك، صراحة هذا أمر لا يعنينا ونحن لا نشجع أحدا على استعمال الشريط لأغراض إجرامية.”
هذه هي حكاية الشريط المعتم تبدأ بشطحة ظاهرها مقاطعة الناس وحجب الرؤية عن الغير، وباطنها نزعة إجرامية تشمل مختلف الموبقات كاستهلاك وترويج المخدرات والخمور، لتمتد إلى جرائم القتل والاختطاف والاغتصاب، وفي كل سيارة معتمة مشروع جريمة أو شبهة تتحرك في الطرقات.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!