جزائر الأبيض والأسود

تفتح الباب على إحدى الغرف، فتجد العملاق عبد الحميد مهري يترأس اجتماعا، فيه البطل لخضر بورڤعة، والأسطورة جميلة بوحيرد.. مخطئ من يعتقد أن الأمر يتعلق بحلقة من حلقات الثورة التحريرية…

• وبمشهد من تاريخ المقاومة الجزائرية لا يرى إلا بالأبيض والأسود.
• صورة المشهد رأيناها مرات عديدة وبالألوان، في مكتب من مكاتب “الشروق” بدار الصحافة في القبة، منذ تأسيس اللجنة الشعبية لدعم غزة، بعد الساعات الأولى للهجمة الصهيونية المتوحشة على غزة وأهلها.. رجال ونساء يواصلون مسيرتهم الجهادية بكل تواضع وإرادة يمكن أن تحملها قلوب العظماء، رغم تحالف الأمراض عليهم، والمشاغل، والسنين الطويلة والكثيرة والمريرة.
• مهري وجميلة وسي لخضر تخرجوا من الجزائر الحقيقية، جزائر البؤساء والفقراء والمقهورين، الجزائر التي لم تكن تعرف شيئا اسمه “الريع“، والجزائر التي كان لأهلها استعداد غريب للموت من أجلها.
• أمثال مهري وبورڤعة وبوحيرد في الجزائر كثيرون، لكن الصدمة على غالبيتهم كانت بالقوة التي دفعتهم للتراجع إلى كهوف الصمت، يتأملون فيها ماضيهم، ويندبون منها حاضرهم، ويحاولون يائسين عدم التفكير في مستقبلهم ومستقبل أبنائهم وأحفادهم.. تسأل أحدهم، فيرد عليك، إن كنت محظوظا طبعا، ليقول: ليس لهذا اخترنا السجون والعذاب والاستشهاد.. أيعقل أن يموت الواحد من أجل أن يربي الآخرون كروشا، ويجمعون قروشا؟ أتعقل التضحية من أجل أرض تعج بعدنا بالمفسدين، وتضيق بالمرتشين والانتهازيين و”المفرمجين” و”الشحامين”؟..الأرض التي كنا على استعداد للقضاء من أجلها، يموت أولادنا هربا منها.
• حجة هؤلاء قد تبدو قوية، لكن حجة المجتمعين في مكتب “الشروق” أقوى، ومنطقهم أسلم، فليس من المعقول أن يستسلم أبطال أمس لجبناء اليوم، والأكيد أيضا أن القادمين من لندن في قافلة دعم غزة، وبمجرد أن وطأت أقدامهم تراب الجزائر، سألوا عن أسماء مثل مهري وبورڤعة وجميلة، ولم يسألوا عن مستورد للدواء الفاسد، ومحول لأموال شركة، وآكل لقرض بنك.. ذلك أن بعض الصور المستخرجة بالأبيض والأسود تكون أجمل بكثير من الصور الملونة.