-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

جسر وادي الذيب ببني هارون: مفخرة الجزائر وموطن الشبوط الضخم

الشروق أونلاين
  • 14503
  • 0
جسر وادي الذيب ببني هارون: مفخرة الجزائر وموطن الشبوط الضخم

انطلاقتنا من مدينة العلم الثقافة والحضارة قسنطينة باتجاه مدينة جيجل الخلابة على الطريق الوطني رقم 27 المؤدي إلى الشواطئ الجيجيلية، لم تكن بالأمر السهل بالنظر لاكتظاظ الطريق، ولو أن الجو كان ربيعيا جدا والحرارة تخطت معدلها الفصلي، لكن البرد كان ينازلنا من وقت لآخر وهو يروي الكثير عن تفاصيل المعاناة في هذه الولاية الباردة جدا شتاء والذي زادته رطوبة سد بني هارون انتعاشا وغرقا في حضرة سلطة المياه التي بقدر ما تحيي بقدر ما قد تقتل، ووسط الخضرة والجبال الشاهقة يمتد سد بني هارون الذي يخطف الأبصار ويحبس الأنفاس بعلوه الشاهق وجمعه بين ضفتي واد سحيق تحول إلى سد عظيم مترامي الأطراف، وبفضل هندسة بنائه التي تعد تحفة حقيقية جعلت منه مزارا لكثير من الزوار ومن أبناء ولايات ميلة، جيجل وقسنطينة.

أنشئ سد بني هارون أساسا لتعزيز موارد المياه الشروب بالمنطقة الشرقية، وصولا إلى ولاية بسكرة، ونظرا لعظمته تحول إلى مزار تستوقفكم نسماته ومناظره الطبيعية العذراء عنوة، حيث تجاوره عدة منحدرات ووديان صغيرة وهو محاط بغابات كثيفة. وصدقونا لو قلنا أنها ليست مجرد وقفة، بل هي رحلة تأمل في روعة تصوير الخالق وبراعة هندسة المخلوق، فالمناظر هنا أكثر من جذابة ومغرية، كيف لا، والطريق تتعرى من سكناتها مرغمة محتفظة برداء أخضر من الأشجار الذي سرعان ما تحمل جزءا منه وهي تهوي في حضرته، مستقبلة خادميه الأمينين -الجبلين- في خجل ووقار، وهو يصول ويجول بينهما محركا دواخله وشلالاته التي سرعان ما تكشف عن سمكة ما تختلس الهواء هنا وهناك، وبعض الطيور التي لا تكف عن الغناء له لهدهته والإطراء على خيراته.

الجسر العملاق قبلة المسافرين والعرسان

يبقى هذا المعلم السياحي والمورد المائي الهام القبلة المفضلة للعائلات ولعرسان الولايات القريبة منه وحتى المغتربين والزوار القاصدين لحمام بني هارون المعدني، خاصة عصرا، أين يشدكم حشد المركبات التي تتوقف مطولا للتمتع بالمنظر وبالجسر الذي يطلق عليه “سان فرانسيسكو الجزائر”، والممتد على طول 700 متر،خصوصا أولئك القادمين من شواطئ جيجل، فهو مكان رائع للاستراحة وارتشاف قهوة ساخنة أو شايا بالنعناع أو الالتفاف حول طاولة الشواء اللذيذ الذي تشتهر به المنطقة، وهو المكان المفضل لالتقاط الصور التذكارية،كيف لا، وهو المكان الذي يشهد يوميا أجمل غروب ساحلي بالجزائر ككل، فالجميع يتسابق ليظفر بموقع جميل يسمح لهم برصد الغروب في صورة جميلة تجمع بين زرقة الماء المخضرة واحمرار السماء وسواد الجبل واخضرار الأشجار المتاخمة له.

  أول سؤال يراودنا ونحن نتمتع بجمال هندسة الجسر والسد هو كيف بني، والإجابة أنه أكبر سد أنجز في الجزائر والثاني في إفريقيا بعد سد أسوان بمصر وأحد أهم انجازات الوطن منذ 1962، بطاقة تخزين السد للمياه تصل حوالي مليار متر مكعب، يضمن تزويدا بالمياه يقدر بـ425 مليون متر مكعب في السنة، تخصص مياهه لتلبية احتياجات الري (194 مليون متر مكعب في السنة) في المناطق الزراعية والتي تقدر مساحتها بحوالي 30  ألف هكتار، بحوض مائي مساحته 72 ألف متر مكعب.

معلم سياحي يرى النور بعد 30 سنة

يعد هذا الإرث الوجهة الأولى للعائلات الراغبة في الترفيه عن نفسها. وقد كان التفكير أساسا موجها لإنجاز هذا السد العملاق عند تلاقي وادي الرمال والنجا بمنطقة بني هارون يكون محوره استغلال مياه السهول العليا القسنطينية وتثمين المياه السطحية الكثيرة التي تذهب هباء إلى البحر في هذه المنطقة من شرق البلاد والتي تسجل إحدى أكبر نقاط التساقط في الجزائر.

واستمر مشروع الانجاز 30 سنة كاملة، بين الشروع في تشييد المشروع رسميا سنة 1988 وتدشين السد وبدء استغلال مياهه في شهر سبتمبر سنة 2007 لصالح ولايتي ميلة وقسنطينة، مراحل كثيرة ومتعددة، أين تأثر بتحولات ومستجدات وطنية وإقليمية دولية كان لها الأثر الواضح في تعطل الأشغال وتعثرها وهو ما انعكس على كلفة المشروع التي ارتفعت إلى ما يقارب أربعة مليارات دولار، بعدما انطلق بغلاف مالي قدره واحد مليار دينار جزائري لا أكثر، منه غلاف بالعملة الصعبة موّله كونسرتيوم من الصناديق العربية الخليجية وهي الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية “فاداس”، والصندوق السعودي للتنمية، والصندوق العربي للتنمية بأبو ظبي. وقد أسندت الأشغال بعدها لمؤسسة صينية في إطار ما سمي آنذاك بالتعاون جنوب – جنوب لتنطلق أخيرا سنة 1989 عبر الشروع في إنجاز الأعمال القاعدية للسد ومنها أنفاق التحويل المائي للمنشأة، لكن الوكالة الوطنية للسدود رأت بعد مرور 3 سنوات عن بدء الأعمال تواجد العديد من النقائص التقنية واللوجيستيكية، فتم بعدها إلغاء العقد بالتراضي سنة 1991.

الشبوط.. ساكن السد الخجول

شهد السد منح رخص استغلال للصيد لفائدة 8 شباب من أجل الانتفاع وتحصيل مورد رزق. وبعد إجراء عمليات استزراع قامت بها محطة الصيد لميلة، برزت بالسد أسماك من نوع الشبوط بكل أنواعه وبأوزان بلغت حتى مستوى 40 كلغ للسمكة الواحدة وذلك في أوقات قليلة. ويوفر السد هذه المحطة التابعة لمديرية الصيد والموارد الصيدية بجيجل موارد رزق مباشرة وغير مباشرة في مجال الصيد القاري وهنالك مشاريع مبرمجة لإنجاز مرفأ للصيد يضمن خدمات كثيرة لصالح الصيادين وكذا مسمكة ووحدة لإنتاج مربعات الثلج وغيرها. فجميع عمليات الصيد نشطت خلال السنوات الأخيرة بهذا الفضاء الرحب الذي هو سد بني هارون الممتد على امتداد على مسافة 25 كلم.

“عاصمة الماء والتربة”

سمح السد لولاية ميلة بالانتعاش وزودها بقدرات ومؤهلات جديدة تفتح لها الأبواب على جميع الأصعدة والمجالات منها “الاقتصادية، الاجتماعية، الترفيهية وكذا السياحية”، بينما غيّرت مياه السد مناخ المنطقة، وصارت التربة أكثر خصوبة وأكثر اخضرارا، ما عجّل بظهور زراعات جديدة غاية في الأهمية ولذيذة جدا.

قوارب مطاطية تغازل السد الهائل


أثارت بعض القوارب المطاطية التي كانت تسير بسرعة بطيئة في قلب هذا المجمع المائي الضخم فضول الكثير من الزوار بينما فيهم نحن، فالجميع كان يتمنى ركوب أحدها والتمتع بصفاء المياه الثقيلة عن قرب وملامسة مياهها، لكن سرعان ما انبهر الجميع والقوارب تقترب من حاجز السد الهائل الذي يختزل لوحده 1.5 مليون م3 من الخرسانة المسلحة الملفوفة، والذي يشكل وحده تحديا هندسيا رائعا، ولم يكن هناك أحسن من هذا الوقت لاستظهار وحمل الهواتف النقالة متعددة الوسائط وأجهزة التصوير لتخليد المنظر وترسيخ اللحظة، فالمياه المتطايرة على جنبات القوارب كانت ثقيلة وتتبعثر على الجنبات راسمة صورة أخاذة يخيل إلى الناظر أنها مبرمجة بالتصوير البطيء ما يمنح الصور الملتقطة روحا حقيقية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!