-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

جناية التنظيمات على المواهب؟

التهامي مجوري
  • 670
  • 1
جناية التنظيمات على المواهب؟

لا نريد بهذا المقال التحذير من التنظيمات والإنتماء إليها، وإنما نهدف إلى لفت انتباه المهتمين بالشأن العام، إلى الآثار السلبية التي تسببت فيها هذه التنظيمات على المواهب المنتمية إليها، من الطاقات الطموحة ومن القدرات والإرادات الشابة خاصة، وأوضح ما تكون هذه الآثار السلبية، في الأحزاب السياسية والجمعيات الخيرية، والتنظيمات التي تتمتع بمواقع النفوذ السياسي والمالي، ومنها المحظوظة بنيل التمويل الرسمي على وجه الخصوص.

والمراد بالتنظيمات هنا، هو جميع التنظيمات، أحزابا وجمعيات ونقابات وجماعات سرية…، المعارضة للسلطة منها والموالية لها على حد سواء؛ لأن القاسم المشترك بينها في هذه السلبيات هو الخروج عن مفهوم النضال بمعناه الرسالي، والتحقيق النفع العام الذي يمثل الغاية من كل اهتمام بالشأن العام، والاهتمام بالمذهبية والذاتية الفردية والتنظيمية، فضلا عن أن هذه التنظيمات لا تملك رؤى واضحة، ىحيث لا نجد فيها من يملك رؤية واضحة للمجال الذي اختاره وفضّل النشاط فيه.

إن الأصل في التنظيمات التي تنشأ في المجتمعات، أنها هياكل اجتماعية مهمتها مساعدة أفراد المجتمع على التهيكل وتنظيم الجهد الفردي في إطار جماعي، من أجل تحقيق مصالح المجتمع والعمل على توفير القدر اللازمن من الضمانات الإجتماعية، وحمايته من مظالم السلطة، ومجموعات الضغط وأرباب المصالح، اجتماعيا وثقافيا وسياسيا، سواء في ذلك عبر المعارضة أو عن طريق الموالاة، بحيث تكون محصلة هذا التحرك المنظم إحداث التوازن لدى الفرد والجماعة على حد سواء، في القيام بالواجب ونيل الحقوق، بل وعلى المستوى الوظيفي الفردي، العمل على تحقيق المكانة والدور للفرد في جميع المراتب، للوصول إلى فكرة الشخص المناسب في المكان المناسب كما يقال.

ولذلك كان دور الأحزاب النضال من أجل الوصول إلى السلطة، وهذا الوصول إلى السلطة ليس مجرد وصول كيفما اتفق، وإنما هو وصول ببرنامج ومشروع مجتمعي يستدرك

على السلطة نقائصها…، كما أن دور الجمعيات الخيرية أيضا، ليس مجرد حرص سنوي على “قفة رمضان” وأدوات الدخول المدرسي، وإنما هو تحرير الإنسان من ذُلِّ السؤال، وذلك بالبحث في إحداث مناصب العمل، وتكوين أفراد الأسر على مهن وحرف، تغني الأسرة عن الحاجة، وتغني المجتمع بتحقيق المطلوب من الجهد الإجتماعي الذي يمثل رأس المال الحقيقي لكل مجتمع.

بينما من ينظر في الواقع يلاحظ أن الحزب السياسي لا يكاد يُسجَّل له حضور في ما عدا الاستحقاقات الانتخابية، أو الدخول في عالم المقاولاتية فيما يعرف “ببرنامج رئيس الجمهورية”، أما باقي الأيام والشهور والسنوات لا أثر له ولا لصوته، وكذلك الجمعيات الخيرية لا تعرف الخير خارج المناسبات الدينية والإجتماعية المحدودة، وكذلك النقابات لا يكاد يكون لها دور خارج سياسة لي الذراع لإدارة القطاع الذي تنشط فيه، وتصفية الحسابات المبرمجة لإسقاط زيد أو رفع عمرو.

والانتماء إلى التنظيمات في معتقد الناس يمثل إضافات في حياة الفرد، أو على الأقل هذا هو المفترض، وأقل هذه الإضافات، الانتقال من الدوائر الضيقة المحدودة التأثير والتأثر، في الأسرة والحومة والشلة من الأصحاب…، إلى الدائرة الأوسع وهي الدائرة الوطنية الإجتماعية الكبرى، بحيث يشعر المنتمي إلى التنظيم أنه يقوم بدور في الحياة وله مكانة فيها، في إطار جماعي متكامل ومتناغم مع الحركة الإجتماعية ومتوازن في الأخذ والعطاء، وذلك هو سر الوجود والحركة، بحيث إذا بلغ المرء هذا المستوى شعر بالارتياح والحماية.

ويضاف إلى هذا الانتقال من دائرة الأسرة إلى دائرة الحركة الاجتماعية عبر دائرتها الصغرى وهي التنظيم، هو انتقال وظيفي بالتدرب على ممارسة القيم، حيث أن الفرد في الأسرة كان يتدرب على وظائف المشاعر ويمارسها في إطار علاقات الرحم التي تحتويها الأسرة، وعندما ينتقل إلى التنظيم، فإنه يشرع في التدرب على قيم جديدة وهي قيم التعاقد والحوار وكيفيات التعامل مع الآخر والتوافق والتوازن، التي تفرضها طبيعة الحركة الإجتماعية، بحيث تتحول في نفسه المشاعر التي تمثل الأنانية في غالبها إلى قيم أخرى أكثر حرص على التعاون مع الآخر الشريك والمخالف والمحتاج والخصم والعدو…إلخ.

ولكن الواقع المشاهد أيضا في جميع التنظيمات –إلا ما رحم ربك-، ليس بهذا المستوى أو القدر الذي يشعر المرء فيه بأنه يرتقي أو يرتفع إلى درجة أفضل من التي كان عليها، بل العكس تماما هو الحاصل في غالب الأحيان، إلى درجة أن منتمين إلى بعض التنظيمات فقدوا الكثير من قيمهم الإخلاقية التي كانوا يتمتعون بها قبل الانتماء إلى التنظيم الذي التحقوا به.

ذلك أن التنظيمات في بلادنا تشبه التكتلات الخالية من المهمة، أي لا تشعر بما عليها من المهام، بقدر ما تشعر بحقها في الحقوق والمكاسب، رغم أن هذه التنظيمات تعهدت ضمنيا في الوثيقة التي بموجبها أخذت الإعتماد، بأن لها رسالة واهداف محددة ومعينة بالتفصيل الممل، ولبلوغ هذه الأهداف، تنص الوثيقة على الوسائل التي تعتمدها في بلوغ أهدافها، ومع ذلك نادرا ما تجد تنظيما انضبط بما وضع من أهداف ووسائل، والمنضبط منها اكتفى بجزء ضئيل من تلك الأهداف التي وضعها لنفسه.

وتنظيمات بهذا الشكل هل ينتظر منها أن تصنع قيادات للمجتمع؟ وهل يمكن لها أن ترتقي بالمنتسبين إليها إلى مستويات يريدون الوصول إليها؟ بل هل يمكن أن يحافظ المنتسب إلى مثل هذه التنظيمات على المستوى الأخلاقي الذي دخل به؟

أنا شخصيا لا أعتقد ذلك؛ لأن ما لاحظته في مخالطتي للمنتمين لمثل هذه التنظيمات، أنها تنمي في الفرد المنتمي إليها جميع المشاعر السلبية، الشك، سوء الظن، الغيبة والنميمة والتآمر على المنافس وبغضه، والتمرد على المخالف والعمل على سحقه… “وهلم جريا”.

الجميع يعلم أن هذه التنظيمات أو –حتى لا نسقط في التعميم- أغلبها يناضل من أجل إرضاء السلطة وامتصاص غضبها، وكأنه مبرمج للقيام بدور بهذا المضمون، ولذلك وجدنا من يترشح للإنتخابات كأرنب لتسخين “البندير” وإنجاح الاستحقاق فقط، ووجدنا من يتحالف من أجل القيام بدور ما، ووجدنا من يمارس المعارضة الوهمية…، وكل ذلك لا علاقة له بالنضال الحقيقي الذي يربي الشعب ويخدم الثقافة السياسية، وأكبر شاهد على ذلك ميوعة الساحة السياسية خلال العهد البوتفليقي 1999/2019، الذي ابتدع فكرة مرشح الإجماع ووجد في الساحة السياسية من يقبل بها، وقد انخرط في إنجاح هذه

البدعة وتزكيتها، أكبر ثلاثة أحزاب معتمدة في الجزائر، أطلق علهيا مصطلح “التحالف الرئاسي”، لتخضع هذه الأحزاب لشخص، ومعها أهم التنظيمات الأخرى مثل نقابة العمال والكشافة وبعض الجمعيات الأخرى… فتحولت هذه التنظيمات إلى مقاولات وورش عمل لتحقيق برنامج الرئيس.

هل يمكن لتنظيمات هذا شأنها أن ترتقي بالمناضل إلى حيث يطمح وإلى المكانة التي ينتظرها منه أو ينتظره فيها الشعب؟بل إن هذه التنظيمات، لم تكن لتجرؤ على مثل هذه الأفعال لو لم تتمكن من مسخ مناضليها وترويضهم على ما أقبلت عليه.

وآية المسخ التي طالت مناضلي هذه التنظيمات وغيرها، أنها لم يبق فيها من يستطيع تقويم مساراتها أو الحفاظ على أصول هذه التنظيمات وأصالتها…؛ لأن الجميع يمارس الردة السياسية أكثر مما يفكر في ممارسة السياسة بأصولها وغاياتها النبيلة.

وهذا المسخ هو الذي انتج لنا جيلا يرفض الأحزاب السياسية، وقد تابعنا ذلك في الحراك الشعبي في أيامه الأولى عندما كان الشباب يطرد قيادات الأحزاب ويعيرها وينعتها بكل ما لذ له وطاب من نعوت السوء.

قد يقول قائل يستحقون ذلك؛ لأنهم لم يقوموا بواجب التغيير السياسي الذي تفرضه طبيعة النضال وهذا حق، ولكن الحقيقة التي لم ينتبه إليها الناس، أن هذه الأحزاب التي تمكن الحراك من طرد قياداتها هي التي ساهمت في “تصحر الحياة السياسية”، فأنتجت شبابا يرفضها وؤبما لا يفرق بينها…؛ لأن هذه الأحزاب لم تصنع لها قواعد تبني مواقفها وتدافع عنها وتحميها عند الحاجة…، وهذه تعتبر في حق الحزب السياسي من أكبر الجنايات على الأجيال؛ لأن أوعية احتراف النشاط السياسي والنضال عموما، لا يمكن أن يكون إلا في الأحزاب والتنظيمات عموما، ومن ثم إذا لم تكن الأحزاب والتنظيمات مستعدة لذلك، فإن الجناية الكبرى لهذه الأحزاب هي هذا التقصير الذي أفسد أجيال بتحريفها عن مسارها النضالي الصحيح، أو على الأقل تحرمها من هذه الأوعية التي ينبغي أن تكون فيها نشطة متفاعلة مع الواقع، تدربا وممارسة ونضالا وتهيأ لاستلام مهام تخدم الأمة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • djalal

    أحزاب وحزيبات والآف الجمعيات وغيرها تغرف من خزينة الدولة أي من المال العام دون أن تقدم شيئا للوطن , تعيش كالطفيليات في جسم الأمة تمتص خيراتها كالعلق , زيادة علي أن كل موظفي الدولة الكبار يعيشون علي حساب الخزينة بالمجان ابتداءا من السكن والسيارة الي الهاتف وهذا لا يحدث الا في بلد كالجزائر حيث أصبحت الدولة ( تخدم علي الموظف) ثم لا ننسي المحميات (الغيتوهات) التي وضع المسؤولون أنفسهم فيها وكأنهم يترفعون عن الشعب فأين لهم أن يتلمسو الآمه وكأنهم في سجن كبير وكما قال أحد الفلاسفة ان أكثر قلقا في السجن هو... السجان... لذلك علي حكامنا ان يراجعوا حساباتهم وإنها لو دامت لغيرهم ما وصلت اليهم وعلي التحقيقات أن تتجه نحو هؤلاء الذين يمتصون خيرات الشعب دون مقابل وكأنها ملك لهم دون غيرهم تحت أسماء ومسميات ظاهرها الوطنية وباطنها نهب الوطن( البطنيون أكثرهم أسس حزيبات وجمعيات لهذا الغرض) لهذا يجب الغاء كل إمتيازات لم يتعبوا عليها,تخالف العدالة الإجتماعية وتكافؤ الفرص حتى يزهد كثير من الوصوليين والمتسلقين في المسؤولية طمعا في الإمتيازات وهذا لا يكون الا بتغيير نظمنا القانونية والتشريعية وطرق تسييرنا