-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
سحر شواطئ تنتظر ثقافة سياحية وبلديات خارج مجال التغطية

جيجل.. الجنة الخضراء التي يجب حمايتها من “الرماد”

بقلم: صالح عميرة
  • 2259
  • 0
جيجل.. الجنة الخضراء التي يجب حمايتها من “الرماد”

انتهت صيفيات جيجل لهذه السنة، ولم يكن ممكنا أن نلمّ كل الأوصاف، شاملة، بكل إيجابياتها وسلبياتها إلا بعد نهاية هذا العرس الاستثنائي الذي يركبه المطبلون، والسلبيون، والمفتخرون والحاقدون، وحتى مرضى النفوس على حد سواء.

حسب رأي المختصين والناشطين السياحيين، والجمعيات والنوادي المشتغلة في المجال السياحي، فإن هذا الموسم هو الأسوأ منذ سنوات التسعينيات، صيف لم ير فيه المصطافون تنظيما سواء على مستوى الشواطئ، أو في الخدمات المقدّمة للسياح القادمين من مختلف ولايات الوطن، والخاصية المميزة، حسب الضيوف الذين سألناهم، ياسين، محمد والحاج رشيد وأميرة القادمة من نانت الفرنسية، هو الإزدحام المروري الذي أفسد جمال ولاية، قال المسؤولون عن السياحة، أنها استقبلت 16 مليون سائح خلال موسم الاصطياف الماضي.

35 شاطئا كان مفتوحا للمصطافين هذا الموسم

إضافة إلى شواطئ لم تكن تحت المراقبة من طرف الجهات الرسمية، وهو السؤال الذي ظل يطرح نفسه كل موسم، يضاف إليها مصطافو الصخور، والأودية، والغابات التي أصبح لديها روادها في السنوات الأخيرة، بعد أن كانت مقتصرة على أبناء الولاية.

“كتامة شاطئ” وشارع وشرفة مدينة جيجل التي تعرفها الشياطين والملائكة، هي نصف المدينة، هكذا يعتبرها من حط بها أول مرة، شاطئ لا ينام، ولا يعيش الخلوة بنفسه إلا شتاء، نصف ضوء يغمرها، ما أباح للكل أن يتناغم مع رغبته، ذاك سوفي مع عائلته، قال لي أن أجمل ذكرى حملتها بناته كانت من جيجل، رغم سفرياتهن إلى تونس وتركيا وقبل تركيا مصر وأندونيسيا، قالت سمر، ابنة مستثمر في قطع غيار السيارات، أنها لم تعش صيفا كالذي عاشته في مدينة جيجل بالضبط، هي تقصد بساطة المكان وخلوة شاطئ لبس القمر ليلته، أمام آلاف المصطافين، الذين حلوا يستأنسون ببرودة الرمال ليلا وأضواء خافتة من شارع، قال مسؤولوه ذات مرة، أنه سيضيء “كوكب كتامة” بالطاقة الشمسية، وهو ما لم يكن، وتمنينا أن نراه.

بعيدا عن عائلة السوفي، الحاجة مسيكة، كانت في منتهى البراءة، والنية “يا ابني أنا في جنة الأرض، عمري ثلاثة وثمانون سنة وأول مرة أزور هذا الشاطئ.. أنا في قمة السعادة، لم أكن أعرف أن السمر على رمال الصحراء، لا يشبه سهرة على رمال الشاطئ وأبنائي وبناتي وأحفادي في حجري”.

الساعة الثانية صباحا، لا شيء تغيّر، المئات لا يزالون يأملون فجرا على صوت الموج، اقتربنا من حميد بومرداسي ألف أن يقضي صيفه بالعوانة وزيامة، كان يمسك بيديه قصبة الصيد ويرمي الصنارة بكل قوة حتى تصل إلى أبعد نقطة، كان وقتها الموج يشكل سنفونية رهيبة، عشتها بملء مشاعري، أمواج تداعب الشاطئ، لم يزد علوها عن خمسين سنتمترا أو أقل، ابتسم دون أن يعرف هويتنا!

قال دون أن تغادره إبتسامته، أو يغادرها: “تحب الحقيقة، لم أشعر بالأمان في حياتي، كمثل ما شعرت به اليوم، لم أعرف كتامة من قبل، إلا من خلال الفايس بوك، وباقي منصات التواصل الاجتماعي”، مضيفا: “أضيف لك شيئا، زرت ستة وعشرين بلدا.. لم أشعر بتاتا بالأمان والنشوة التي أعيشها اليوم”، سألنا حميد عن صيده، ضحك مليا وقال: “مجرد ليلة أريد أن أعيشها بلا ماكياج”، مضيفا: “أنا دكتور أشتغل مديرا لصندوق عمومي للتأمينات بسويسرا”.

الآن الساعة تشير إلى الثالثة والربع صباحا، حقا لقد تعبنا ولم يتعب الساهرون.

الكهوف العجيبة كانت فعلا عجيبة!

لا شك أن المار بشاطئ “الكهوف العجيبة” بزيامة منصورية بغرب ولاية جيجل، تأسف لما آل إليه الشاطئ هذه السنة، أوساخ بالأطنان كانت الصورة المميزة لكل من زار المكان، وبالرغم من كون مائه الأنقى في ساحل الجزائر منذ ثمانينيات القرن الماضي، حسب استبيانات المخابر قبل كل صائفة، على اعتبار وقوعه في منطقة معزولة على السكان، وانعدام المصبات الملوثة عادة لمياه شواطئ الولاية كما هو الحال بشاطئ “كتامة”، أو “الصخر الأسود” الذي تصب فيه أطنان من الأوساخ، بسبب ربطه بقنوات الصرف الصحي لأحياء تيميزار، وبوالرشايد، إلا أن الوضع به هذا الموسم تعدّى المعقول، بعد أن تحولت مياه وادي “دار الواد” الذي كان يعد مفخرة زيامة، لنقاء مياهه القادمة من جبل “تلودن” وينابيع الحامة وبني معاذ، وأفارنو إلى واد فقدت مياهه لونها بسبب لا مبالاة المصطاف ورميه للقمامة في المصب، واستعماله من طرف المطاعم الموسمية كقناة صيفية تنتهي إليها أوساخ عشرات المطاعم التي أنشئت بطريقة عشوائية على الضفاف، تحت أعين البلدية الغائبة، واستثمار بعض أعضائها في غبن شباب بعض القرى القريبة، برؤية لا تحيد عن منطق “أنا معك اليوم، فحاسبني بورقة الانتخاب غدا”.

وليس بعيدا عن وادي “دار الواد”، توجد الكهوف العجيبة التي تعتبر من أهم مغارات البحر الأبيض المتوسط المكتشفة سنة ، 1916إثر إنجاز الطريق الوطني رقم 43، صارت هذا الموسم فضيحة تأسف لها آلاف الزوار، بعد أن تصدّرت، طوال الموسم، صفحات التواصل الاجتماعي والجمعيات النشطة في المجال السياحي وكان العنوان دوما لا يخلو من تذمر الغرباء من سوء التنظيم والاستقبال من طرف الهيئة المشرفة على المغارة، خاصة ما تعلق بغلقها لأيام عديدة بلغت في بعض الأحيان أسبوعا كاملا، بسبب غياب التيار الكهربائي، والأهون في قصة المغارة أنها تنتمي لثاني أكبر حظيرة وطنية بعد حظيرة الطارف وهي الحظيرة الوطنية لتازة، التي قيل عنها الكثير ولم تجد إجابة مقنعة أمام زوارها القادمين من مختلف جهات الوطن وكذا المهاجرين الذين التقينا بهم بالمكان في عز موسم الاصطياف.

مدير سياحة يتحوّل في عز الصيف

من صدف هذا الموسم أن يتحول مدير السياحة إلى ولاية أخرى في عز الصيف، قد لا يبدو الأمر غريبا، إذا سلمنا بالمطلق بأن مديرية السياحة قد حضّرت للموسم منذ ستة أشهر التي سبقت الافتتاح الرسمي لموسم الاصطياف، غير أن أمر التحويل في توقيت كهذا، يبدو، من الوهلة الأولى، بأنه أمر غير مدروس إذا علمنا أن الكثير من البلديات الساحلية رفعت الراية، أو على الأقل، لم تستطع مسايرة تدفق المصطافين بداية من شهر أوت، سواء من مشكل القمامة التي انتشرت بشكل مقزز في الطرقات والشواطئ، وإن رفعنا قلمنا حين رفعت قلمها بحجة نقص الإمكانات، فإن ما لا يمكن أن نتجاوزه هو التأخر في كراء محلات الخدمات بالشواطئ، ونقاط البيع بالنسبة لتجار الشواطئ والمساحات التي اعتاد أن يتدفق إليها المصطافون ليلا ونهارا، والعذر دائما، حسب مجالس هذه البلديات، هو فرض السجل التجاري في ملف المناقصة.

والأغرب أن مصالح السجل التجاري، قانونا غير ملزمة بمنح السجل التجاري لمن لا يملك محلا أو عقد كراء محل.. قد يشبه هذا معضلة من خلق الأول.. البيضة أم الدجاجة.. وهذا في حد ذاته خلق تذمرا في أوساط الشباب الذين اعتادوا العمل بالشواطئ بمجرد ترخيص تصدره البلدية. وهي حقيقة مرة جعلت الموسم بالنسبة لهم يتأخر كثيرا، بالرغم من أن الإجراء القانوني هذا لم يأت به جزافا، بل لسد الباب أمام بزنسة بعض أعضاء المجالس البلدية، باسم الأقربين وباسم “لحس العسل”، وكثيرا باسم قادم الأيام حين يقول الصندوق كلمته.

بدا شاطئ الصخر الأسود بالعوانة هذا الموسم اكثر الشواطئ استقطابا للمصطافين، بالنظر لقربه من الطريق الوطني، ومختلف محلات الخدمات والمطاعم، ومناسبته للأطفال بالنظر إلى عمقه.. فضلا عن تنظيمه الذي يسهر عليه أعوان من البلدية، قال لنا حميد المكلف بهذا الشاطئ أن المكان كما تراه بالرغم من آلاف الأجساد المنتشرة في الماء والرمال، إلا أن هذا الهدوء، خاصة مميزة بولاية جيجل، إذ لم يعرف أي مشاكل سواء بين المصطافين، أو انتشار القمامة والتذبذب في توفير المياه، وانقطاع الكهرباء.

خلجان بني بلعيد.. الخارطة المجهولة في خارطة الآلاف من النازلين بجيجل التي بقيت بمدخل واحد عبر القارب، وهذا لا يعني أنها بقيت بلا زوار، بقدر ما كانت الإشكالية في رفع القمامة التي لم يكن لها من خيارات الرفع إلا دفنها بطريقة بدائية في الرمال، أو بطريقة تطوع الشباب كما جرت العادة في السنوات الأخيرة، وهذا كان جليا أنه غير مجد، لأن النزلاء بهذه الشواطئ تضاعفوا عشرات المرات.. فيما بقي شاطئ بني بلعيد الذي يعد من أطول شواطئ الجزائر الملاذ الذي يفر إليه المصطافون من الولايات القريبة كقسنطينة وميلة.

امتلأ البحر.. البديل هو الوديان

لقد صار البحر بالنسبة لمئات العائلات مصدر قلق بسب الاكتظاظ وعدم احترام البعض لطرق الاستجمام، بعد أن جعل البعض الشواطئ كفضاءات تشبه تجمعات الغجر، ومحطات لخيم القبيلة متراصة خلف بعضها حجبت البحر والأفق، وكان يفترض أن يظهر ابن الوهاج بكل شاطئ ليسترجع به المصطاف حقه في التنفس والاستمتاع بالبحر، هذا ما جعل البعض يلجأ إلى الوديان كأزاون ببلدية الأمير عبد القادر، وجنجن بتاكسنة، وإيدلن ببلدية الشحنة، وإرجانة بالجمع بني حبيبي ودار الواد شرق زيامة منصورية. إلا أن ما لوحظ أن فوضى الشواطئ انتقلت إلى الوديان خاصة لتبني بعضها من طرف شباب تجعل النازل بها كأنه بصدد الدخول لملكية خاصة، وبالخصوص أثمان ركن السيارات في حظائر لا تحمل إلا الاسم، وربما ما حفظ ماء الوجه هو مسابح جنجن بتاكسنة التي لقيت رضى النازلين بها ممن تحدثنا معهم، والسبب أن منجز هذه المسابح الطبيعية وهو المدعو (عمار الوهراني) لم يكن يفرض على الزبائن أي ثمن وكما قال لنا: “لا أفرض على أحد دفع دينار على ركن سيارته بالحظيرة، أو المسابح، بعضهم يفهمني وبعضهم أنا من أفهمهم” بالرغم من أن مدخل هذه المسابح يشق بيته وحقله المحاذي للوادي.

الشاطئ الأحمر.. الشاطئ الذي فقد حمرته ليلبس السواد

أسوأ مشهد رأيناه هذا الموسم هو سواد الشاطئ الأحمر بزيامة منصورية، بفعل احتراق كل أخضر كان يراقص أحمر رمال هذا الشاطئ في دلال وتؤدة، بعد الحرائق المهولة التي شهدتها المنطقة خلال شهر جويلية المنصرم.. ما أفقد الشاطئ رونقه وبساطه الخلفي، ورغم تذمر كل من حل بالمكان، إلا أن الشاطئ لم يقطع حبل وريده من عشاقه، خاصة من القادمين من ولاية سطيف وهو الشاطئ الذي كثيرا ما يطلق عليه اسم” شاطئ السطايفية”.

سيدي عبد العزيز والقنار.. أجمل شاطئ قضت عليه السكة الحديدية

شرق جيجل شواطئ سيدي عبد العزيز والقنار كخيار ثان كانت شرفة أخرى لصيفيات جيجل، خاصة سيدي عبد العزيز وسط وشاطئ صخر البلح، فيما صارت شواطئ القنار أيضا قبلة لآلاف المصطافين بعد إنجاز مداخل للشاطئ الغربي وتنظيمه، بينما بقي شاطئ المزاير الذي يعد أهم شاطئ بالقنار صانعا أول لموسم الاصطياف بهذه البلدية.

لكن النقطة السوداء في الموسم بهاتين البلديتين هو تجدد مأساة القطار في كل مرة الذي واصل حصد ضحاياه بهذه الجهة، وهو المشكل الذي لا حل له ما بقيت السكة الحديدية تفصل التجمعات السكانية والطريق الوطني 43 عن الشواطئ.

المؤثرون المراهقون ينتظرون “طورطة” الموسم

لم تمر على أعين الغريب والقريب، جمهوريات الباركينغ، شباب وأطفال يحتلون المكان كلما توقفت سيارة، وأحيانا قبل أن تتوقف، تعرفهم بصراخهم ولغة التواصل بينهم في الغالب لا تفهمها، كل واحد منهم يتكفل بركن ما من الباركينغ، والويل لمن رفض الدفع، التقينا عمي محمد وهو شيخ في السبعين تعرض للضرب من طرف قرين لأحفاده، كما تعرض ابنه المعوق لصدمة وهو يرى أباه يهان أمام عينية، أمام أباطرة الباركينغ في وقت لم يكن بمقدوره حتى فتح باب السيارة ولا الوقوف على رجليه، قبل ان يقدم أحد الشباب بكسر الزجاج الخلفي للسيارة.

في كتامة وبرج بليدة وأفتيس وسيدي عبد العزيز.. في جل الشواطئ تكررت مثل هذه القصة عدة مرات بعضها بنفس التفاصيل وبعضها أخطر، تصل إلى غاية المحاكم. والغريب أن الظاهرة ليست وليدة هذا الموسم، بل أرختها حكايا صيفيات جيجل على مر السنوات الماضية، والأغرب أنها تحدث خارج موسم الاصطياف كما هو الحال مع شاب وزوجته بشاطئ أفتيس خلال شهر أكتوبر من السنة الماضية لما رفض دفع حقوق باركينغ انتهت صلاحيته مع انتهاء موسم الاصطياف.

طبعا المتهم الأول في قضية أباطرة الباركينغ هي المجالس الشعبية البلدية، فيما يرى مختصون ومسؤولون في السياحة أن يتم منح هذه المواقف التي أحدثت مآس في كل الولايات السياحية، خلال السنوات الماضية إلى الجمعيات الخيرية التي تمتلك القدرة على التواصل مع المصطافين لخبرتها من جهة، واستفادتها من مداخيل ترفع بها مؤشر الخدمة في مختلف نشاطاتها الخيرية على مدار السنة..

بالمختصر المفيد جدا.. جيجل جنة، في انتظار قرار، فوقي، لتكون وجهة عالمية، ومحكوم على كل من يحبها، أن يحميها من الرماد.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!