جواهر

جيل آخر زمن!

أماني أريس
  • 5920
  • 38
ح.م

هل من حقّنا التباكي أمام الأجيال القادمة عن زمننا ونرثيه، كما تباكى أسلافنا عن زمنهم ورثوه؟

التفكير في إجابة عن هذا السؤال هي ثمرة من ثمار النّقد البنّاء، والمداخلات الطيّبة التي يجود بها صنف من المتابعين لما أكتبه عادة في أي فضاء متاح، لقد شغل تفكيري حينما أحالني بذكاء إلى ضرورة النظر والإمعان في نصف الكأس الممتلئ، وقد رأى آفاق نظرتي للجيل الحالي حالكة السواد، لقد قال لي الأخ المحترم تعلمّي كيف تنظرين إلى الحياة والعصور بنظرة بانورامية ودعك من التيه في الأجزاء والتفاصيل. وإنها لفكرة جديرة بالتقدير والاعتبار.

تحتفظ ذاكرتي بالكثير من الكلام الذي كنت أسمعه من أجيال سبقت جيلي تكيل لنا تهما لا تنتهي.. وتختصر أسفها وعدم رضاها عن شكل حياتنا وتصرفاتنا بالقول “جيل آخر زمن” نحن في نظرهم الجيل الذي ولِد من رحم السرعة قبل موعده، وصبغ الحياة كلها بعجلته، فاستبدل حلاوة الرحلة إلى الغاية بكبسة زر.. جيلا يشبه في هشاشته طيور المداجن التي يتغذى عليها، وفي قلّة معارفه وضحالة فكره فتات الموسوعات، وقشور الكتب التي غرف منها على السريع.

 ثم لا أدري أمِن باب الحسد أم من باب استيائهم فعلا أعابوا علينا اعتمادنا على ما جاد به عصرنا من آلات وأجهزة ميكانيكية والكترونية يسّرت علينا الحياة واختزلت جهدنا ووقتنا.

أتى علينا الدور، وأصابتنا عدوى التأفف والاشمئزاز من الجيل الناشئ، وأصبحنا نصفهم بما وصفنا به أسلافنا “جيل آخر زمن” وفي أنفسنا اعتراف بأننا نتقاسم معهم التهمة ذاتها مع زيادة في الجرعة.

بنظرة بانورامية كما علّمني الأخ الفاضل، أرى أنّ التغيير والتطور سنّة الكون والحياة، والنقص طبيعة المخلوقات و لو نظرنا إلى العصور والأزمنة المتعاقبة بتجرّد وموضوعية لوجدنا أن لكل عصر إيجابياته وسلبياته، ولكل جيل ما له وما عليه، ومن القسوة والعبث أن نعزل حياة جيل عن حياة سابقيه، ونحمله وحده أوزار مشاكل وآفات عصره، ونثخنه نقدا وهجاء، ونهمل واجبنا في تهيئة الأرض الخصبة لنماء جيل صالح إعارتهم خبراتنا وعصارات تجاربنا بدل معايرتهم بافتقادها.

مقالات ذات صلة