-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حاجة فلسطين لموقفنا.. وحاجة موقفنا لفلسطين

حاجة فلسطين  لموقفنا.. وحاجة موقفنا لفلسطين

قرأت بنود المبادرات العربية المختلفة التي تعلقت بشأن العدوان الإسرائيلي على غزة. وتابعت الصراع المزعوم بين المبادرين بها من مصريين وأتراك وقطريين وإماراتيين وغيرهم من العرب والعجم. ووجدت في هذه المبادرات بعض الفتاة وبعض التفاصيل، إلا أنني لم أجد فلسطين. وجدت الحديث عن معابر تُفتح، عن ميناء يُنشأ، عن صيد بحري لـ 12 ميلا، ولم أجد غير هذا. لم أجد الطرح الحقيقي الذي يتحدث عن تحرير فلسطين، عن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وبعاصمتها القدس، عن تحقيق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، عن كون ما يحدث في فلسطين ليس حربا من أجل المعابر ورفع الحصار فقط إنما هو ثورة من أجل القدس وفلسطين وكرامة العرب والمسلمين في أنحاء الأرض قاطبة… بكلمة واحدة لم أجد ما تحتاجه فلسطين في مواقفنا، ولا عثرت على مواقفنا بعد تغييب فلسطين عنها.

وبقدر ما أكبرت مواقف إخواننا في غزة الذين يتحدون إرادة العدو بصمت وبجلد كبيرين، الذين يبتكرون بأنفسهم سلاحهم وأساليب الدفاع عن شرفهم وعن بلدهم،  وبقدر ما أكبرت ذلك التسامي عن الوقوع في فخ المبادرين، وذلك الموقف الواضح منهم، الذي ما فتئ يرفض تمييع الصراع، ويتمسك بربط مطالبه بطبيعة ميزان القوة السائد على الأرض، بواقعية ومن غير وهم أو مزايدات، وبقدر ما فهمت لماذا لا يستطيع إسماعيل هنية المحاصر من كل مكان أن لا يُطالب بأكثر من رفع الحصار وفتح المعابر وتمكين غزة من أن تعيش حرة كريمة، لم أفهم لِم تقف دول في حجم مصر أو المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية دون هذا الحد الأدنى من سقف المطالب وكأنها بلا إمكانيات وبلا قدرات وبلا إرادة ليس في المساهمة في تغيير ميزان القوة بل في التعبير عنه فقط… لِم يكون سقف المطالب لدى دولة بحجم تركيا تاريخيا وعسكريا أو قطر ماليا لا يتعدى فتح المعابر ورفع الحصار وفتح ميناء بحري للتصدير والاستيراد…  وأتذكر في هذا المستوى موقف الجزائر التاريخي من الثورة الفلسطينية الداعم لها كحركة تحرر وطني من الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي المغتصب للشعب والأرض والتاريخ الذي لا يختلف عن الاستعمار الاستيطاني الذي عرفته في شيء… وأتساءل: أليست فلسطين اليوم في حاجة إلى تجديد الموقف الجزائري؟ ولِم لا يفرض نفسه عربيا ودوليا؟ ولِم هو بهذا الانكماش والانحصار؟ وهل بإمكانه ذلك ليجدد نفسه ويمنع عنه الاندثار؟

طرحت على نفسي هذه الأسئلة وأنا أقرأ الرسالة التي وجهها وزير الخارجية الجزائري إلى الأمين العام للأمم المتحدة منذ أربعة أيام داعيا فيها إلى 04 مسائل أساسية:

ـ  الوقف الفوري لهذا العدوان السافر وإنقاذ أبناء الشعب الفلسطيني من المجازر التي ترتكب يوميا في حقه والتي تعد انتهاكا صارخا للمواثيق الدولية والقانون الإنساني الدولي.

ـ التوصل إلى “اتفاق سلام شامل ينهي الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وفق المرجعيات الدولية  ويثبت قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف على حدود 1967.

ـ الضغط القوي على إسرائيل لحملها على الوقف الفوري لعدوانها السافر والانصياع للشرعية الدولية

ـ فرض احترام قواعد ومبادئ القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني لاسيما اتفاقيات جنيف الأربع وكل التشريعات الدولية ذات الصلة لضمان حقوق وحياة الشعب الفلسطيني الأعزل وأولها حقه في العيش الآمن…

وتساءلت: ما الذي ينقص في هذه الرسالة حتى تكون هي عنوان جميع المبادرات العربية؟ لماذا لم تُفَعَّل على مستوى جامعة الدول العربية مادامت تتضمن حلا جذريا للقضية الفلسطينية؟ لماذا تم الترويج إعلاميا لمطالب فرعية في حين تم غض الطرف عن الطرح الأشمل والأعم الذي يفترض أن تتحد الجهود اليوم لتحويله إلى واقع، والثورة القسَّامية الجديدة قائمة؟ أليس في ذلك تخل عن الروح الجزائرية التقليدية في التعامل مع القضية الفلسطينية واستبدال لها بروح انهزامية محدودة تضع الأهداف الفرعية قبل كليات وتجعل الفروع مُقَدَّمَة عن الأصول؟

ما الذي جعل الروح الجزائرية لا تهمين على المبادرات العربية وعلى مشاريع القرارات التي ينبغي أن تصدر لدعم الكفاح الفلسطيني؟

أوليست فلسطين اليوم في حاجة إلى هذه الروح وهي تعيش أشد أنواع الظلم؟

يبدو أن بلادنا في حاجة إلى إعادة تجديد رؤيتها تجاه فلسطين بحزم أكبر وبفعالية أقوى. لقد أصاب هذه الرؤية كثير ممن الغموض والتشويش بعد أن كانت ناصعة، قائدة ومهيمنة على المنظور العربي والدولي لعقود من الزمن.

صحيح لعل الجزائر هي البلد الوحيد في العالم العربي الذي حافظ على علاقته جيدة مع الفلسطينيين بجميع فصائلهم ولم يساهم في زيادة تقسيم الصف أو  تغليب هؤلاء على هؤلاء، ولم يشكل لنفسه فصيلا يدعمه على حساب الآخر كما فعلت الكثير من الأنظمة العربية الفاعلة، وصحيح أيضا أن الفصائل الفلسطينية مافتئت تشهد للجزائر بمواقفها الثابتة تجاه إقامة الدولة الفلسطينية، وصحيح أن لمواقف الشعب الجزائري مكانة خاصة في قلب وعقل كل فلسطيني… كل هذا صحيح، إلا أن غير المفهوم هو لماذا لا يتجدد الموقف الجزائري التاريخي بمواقف ثابتة أخرى؟ ألا تستحق فلسطين تجديد الموقف الجزائري اليوم وهي تعيش  أسوأ مراحل الظلم الذي عرفته عبر تاريخها الحديث؟

أليس من حق الشعب الجزائري اليوم أن تكون لحكومته مواقف في مستوى تطلعاته واستعداده المستمر للعطاء من أجل فلسطين؟

بل أليس من حق الشعب الفلسطيني أن يطالب بعودة جديدة للموقف الجزائري بثبات في شكل تأثير على القرارات العربية والدولية وليس فقط في شكل رسالة توجه إلى بان كيمون؟

أظن بأن بلادنا اليوم تعيش نقطة تحول في مجال الرؤية المصاغة لديها تجاه فلسطين، إما أن تسير باتجاه تجديد هذه الرؤية لكي تبقى دائما مع فلسطين ظالمة أو مظلومة، في انسجام مع موروثها التاريخي والنضالي والثوري ومع مواقفها الثابتة في الدفاع عن القضايا العادلة في العالم، أو تترك المبادرات تتقاذفها شمالا ويمينا، فتُبدل مسارها إلى حيث لا تدري، وتنتهي إلى أن تصبح تابعة لمواقف دويلات صغيرة أو ألعوبة في مواقف القوى الكبرى تضعها حيث تريد على رقعة الشطرنج.

إن قراءة موضوعية ثانية لرسالة وزير خارجيتنا لبان كيمون مقارنة ما يُطرح اليوم في الساحة توحي بأننا مازلنا لم نتخل بعد عن نظرتنا الشاملة للقضية، ولكن متابعتنا لمسايرة بلدنا لمبادرات أقل ما يقال عنها إنها دون مستوى القضية تجعلنا نخاف أننا رهنَّا إلى حين حلم تجديد الموقف الجزائري، لأننا لا يمكن أن نرهنه إلى الأبد لأنه ملك للشعب الجزائري والشعب الجزائري ليس ملك أحد…    

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
8
  • محمد العربي

    قال الشاعر العربي -لا تسقني ماء الحياة بذلة بل فاسقني بالعز كأس الحنضلي والحديث قياس

  • أ.د محمد سليم قلالة

    السلام عليكم
    ليست هناط مبادرة جزائرية إنما رسالة لبان كيمون. أتمنى أن يناقش الموضوع كتابيا ورمحبا بك في الشروق لتعميق الطرح والبحث عن التحليل الأنسب ولا أظن أن الأمر يرقى إلى مستوى المناظرةن فتسمي ذلك حوارا، مناقشة، إثراء، تصحيح، تصويب رؤية الخ

  • Mustapha Ishak

    الحمد لله ان اخواننا في فلسطين لا ينتضرون عوننا لاخذ حقهم ويحاولون ولو باالشئ القليل باالدفاع عن انفسهم و فيما يخص موقف الدولة الجزائرية فهذا ليس باالشئ الغريب او الجديد فلو اجتمع كل رئساء العرب لن يزيدو ولن ينقصو شئ في هذه القضية فمصير فلسطين ليس في يد قادة العرب و انما في شعوبها ولو انتفض الشعب في كل دولة مسلمة و عربية من اجل نصر اخواننا اقسم انه باذن الله سنغير مصيرهم و الى ذالك الحين ادعو الله تعالى ان يرزقهم الصبر و القوة.

  • رضوان

    كل العرب مجتمعين ليس لهم سيادة وها هي الدولة المالديفيا التى ليست لها الامكانات تتخد موقب دون تردر و لا خوف بمنع دخول المنتجات الاسراءيلية ال البلد. موقف تحسد عليه. مواقف الدول العربية مخزي و لا يرقى الىمستوى النتماء الدينى و الاءنساني. تولى الله الغزاويون بالرحمه.

  • العيد

    أستاذي سليم مشكور علي تنبيهاتك و رئيتك للحدث و مناقشتك لرسالة و موقف الجزائر من القضية الفلسطينية قضيتنا منذو الأزل و إلي الأبد نعم موقف مشرف للجزائر ينبغي متابعته بأفعال مشرفة مثل ما فعل قادتنا سابق كما أقول لأب الجزائريين السيد فخامته رئيس الجمهورية التاريخ يؤرخ للأبطال، كما أرخ لك الماضي القريب فلا تنس الحاضر و المستقبل و أترك صدقة جارية تعمل لفخامتك مستقبلا نريد جسر و إنزال جوي لغزى الأبية و لو كلفنا ذلك حيات مليون جزائري في سبيل فلسطين و نحن معكي يا أرض المرابطين

  • قادة اولاش التقلاش

    كلامك صحيح الموقف الحكومي ملك للشعب لكن الشعب الجزائري ليس ملك لالصاحب الفخامةولالنظام الغير شعبي ولالنخب الشياتين ولا لغوغاءا الذين يؤيدون مايقوله كبار النظام من المتعفنين في الكراسي حتى اصبحوا يفعلون ما يؤمرون من قبل المستعمرين خوفا على الكرسي اللعين ومنه ضيعوا المبادئ والمواقف الرجولية هذا الشعب الثائر الذي لم يتخلى يوما عن القضايا العادلة في العالم وعلى راسها قضيةالعرب والمسلمين فلسطين.فاي موقف للحكومة في قضية فلسطين منافي للمبدا القائل مع فلسطين ظالمة او مظلومةفهو غير مقبول اخلاقيا وشعبيا.

  • ناصر المهدي

    مبادرة الجزائر .''السم في الدسم''. كالطبيب الذي يصف الدواء للمريض و يمنع عنه العلاج.مستعد لمناقشة الموضوع وجها لوجه مع فضيلة الاستاذ سليم قلالة. أرجو التعقيب منه و تحديد موعد ان امكن بمقر الشروق او مركز الدراسات التابع لها.

  • محمد

    اخي العزيز
    الجزائر متفوقة في الفكر عن هؤلاء الاعراب ان هؤلاء يتجهون الى امريكا للضغط عليها لانهم كلهم صنعتهم امريكا ولديهم سفارات الثكنة العسكرية بني صهيون كان الاولى بتركيا وقطر ومصر وووووووووووو
    طرد السفير الصهيوني على الاقل يتكلمون عن غزة كلام للاستهلاك
    والضحك على شعوبهم هنا اقول ان الدولة الوحيد التي كلامها مسموع
    عند الشعب الفلسطيني فقط هي الجزائر ولذالك اقول ان تحرير فلسطين لن يكون الا على يدي الشعب الفلسطيني فقط عليهم ان يقررو