-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حتى النور.. أرادوه ظلاما

حتى النور.. أرادوه ظلاما

عندما يعلم المواطن الجزائري، بأن شركة “سونلغاز” التي تبيعه النور، تفكّر في الاقتراض من الخارج، حتى تبقى على قيد الحياة، يتيقن بأن البلاد تسير بطريقة غريبة، لا يفهمها مسيّروها، فكيف يفهمها هو؟

كل المبررات التي تفضل بها مسؤولو هذه الشركة الكبرى، التي يحلم كل مهندسي وخريجي الجامعات الجزائرية العمل بها ولو كحراس ليليين، لأجل تمرير فكرة اقتراض قرابة المليار دولار من الخارج، غير مقنعة إطلاقا، فهم يتحدثون تارة عن وزارات ومديريات وبلديات لا تدفع الفواتير “المليارية” نظير النور الذي ينعم به عمالها وموظفوها ووزراؤها في مشاهدة مباريات الكرة والأفلام وتسخين مكاتبهم وتبريدها، ومجففات شعر نسائهم وصديقاتهم، ويتحدثون أخرى عن نيتهم في اقتحام مشاريع الطاقة الشمسية وغيرها من “الخزعبلات” التي لم يقوموا بها في زمن البحبوحة المالية، ويحاولون الآن جرّ البلاد إلى نار الاستدانة، في زمن بترول الثلاثين دولارا وما دون ذلك. 

وسيكون من العبث أن يقدم تاجر بسيط تبريرات لفشله في تحصيل أمواله من زبائنه، لأجل الاستدانة من تجار آخرين، فما بالك أن تلجأ إلى ذلك مؤسسة وطنية كبرى، يتعامل معها أكثر من أربعين مليون نسمة، ويعيش من ضيائها الحيوانات والنباتات، وحتى الشوارع الخالية من المارة والمنشآت الصناعية التي لا تصنع شيئا، والإدارات الفاخرة التي لا تدير شيئا. ومن حق المواطن البسيط الذي يجد نفسه مثل كرة “البلياردو” وهو يستمع لهذه الحكاية الغريبة، أن يسأل ببراءة عن سبب عدم قطع الكهرباء عن الوزارات التي لا تدفع فواتيرها المقدرة بالملايير، بينما يطاله القطع وحتى المتابعة القضائية في حالة نسيانه دفع فاتوراته المقدرة بالدينارات في الوقت المحدد، ومن حقه أن يسأل عن سرّ هذا التمييز.. ولن نقول العنصري؟

في كل بلاد العالم، بما في ذلك الفقيرة، مؤسسات الكهرباء هي الأغنى، وكثيرا ما تلجأ إليها الحكومات المفلسة كما حدث في اليونان والبرتغال للاقتراض، لأنها تقدم خدمة ضرورية لكل المواطنين، بينما حوّلنا نحن هذا النور إلى رفاهية، نبذره في قاعات سينما لا تحتضن فيلما واحدا، وفي إدارات لا تستقبل عملا واحدا، وفي شكل هدايا لمسئولين يترفهون به صيفا بمكيفات، وشتاء بسخانات، وفي المناسبات الحميمية أضواء لرقصات إلى ما بعد الفجر مع عودة ضوء الشمس، فكانت النتيجة أن أعلنت هذه الشركة ما يشبه إفلاسها، ونيتها في أن تطلب قرضا ليس من مؤسسات البناء والجسور والصحة والبريد والنفط التي تعمل معها طوال السنة، وإنما بالعملة الصعبة، لأجل ألا تطفئ الضوء عن مقرات مختلف الوزارات، بما فيها وزارة الطاقة، ومختلف المديريات، بما فيها مديرية شركة الكهرباء والغاز.

قديما ردّد الجزائريون في زمن الراحل هواري بومدين بعد حادثة تشنج في العلاقات الجزائرية التونسية، عندما قرر الرئيس الجزائري قطع الكهرباء الذي تقدمه الجزائر مجانا لمناطق تونسية على الحدود مع الجزائر، ثمنا لخطأ سياسي ارتكبه الرئيس التونسي، ما قاله الحبيب بورقيبة في كلمته المشهورة: “قلنا كليمة بتنا في ظليمة”، وواضح أن سونلغاز التي قالت بالاستدانة، ولم تقل كلمة أو حتى “كليمة”، في وجه دائنيها، ستبيت في “الظليمة” ونبيت معها بالتأكيد. 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • hocheimalhachemi

    شكرا على ما قلت يا ع. الناصر ولو أنك لم تذكر تبذير أضواء الشوارع والطرقات التي تشتعل ليلا ونهارا
    أليس هذا يعد تبذيرا فاق تبذير اخوان الشياطين!! الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون!
    حيث كان عليهم أن يطفيئ الأظواء نهارا في الوالشوارع والطروقات والمدن والقرى
    لأظاءتها في الوقت قبيل الغرب مثلا ! والله جل وعلا يقول لنا ولا تؤتوا السفهاء أموالكم
    والسفيه من لايحسن التصرف في ماله أو مال غيره!! لاحول ولا قوة الا بالله .