-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حتى لا ننسى صيانة الصيانة

حتى لا ننسى صيانة الصيانة

سواء أكانت على شكل معتقدات أو أفكار أو علاقات اجتماعية أو تربية أجيال، أو منتزهات أنجِزت للترويح عن النفس أو حدائق عمومية لتزيين المدن وجعلها أكثر جمالا، أو بناءات أو مرافق حيوية أو جامعات وثانويات ومدارس صُرفت من أجلها الملايير، أو طرق تم انتظار شقها سنوات عدة أو مشاريع اقتصادية تم الانطلاق فيها منذ سنوات… كلها إنما تحتاج لأجل البقاء والعطاء أكثر، إلى صيانة. من دون صيانتها ستموت تدريجيا أو تفقد جمالها وفعاليتها، وسنحتاج إلى بذل جهود أكبر وأكبر لإعادتها إلى ما كانت عليه إن لم يُصبِح ذلك مستحيلا.

يبدو أننا بالفعل نجهل قيمة الصيانة، ونجهل أننا نخسر كل ما ننجزه، إن كان على الصعيد الفكري أو المعنوي أو المادي فقط، لأننا لم نُعط الصيانة حقها ونسيناها، وفي بعض الأحيان تعمَّدنا نسيانها.

 ولذلك بدا اليوم من الملائم أن نُثير بعمق هذه المسألة ونذهب بها بعيدا. لا نكتفي بالحديث عمّا نخسر من أموال جراء عدم صيانة حديقة عمومية أو عتاد بلدي أو طريق دفعنا من أجله الكثير، بل علينا أن نُذكِّر أنفسنا بنسيان صيانة العلاقات الأسرية بشكل خاص والاجتماعية بشكل عامّ، وأن نعترف بتقصيرنا في صيانة القاعدة الإيمانية للمجتمع والقاعدة السياسية للوطن، وأن نُسجّل كيف تقاعسنا على صيانة الأفكار وروح الإبداع والقدرة على الابتكار لدى أبنائنا بعد أن تكون عبقرياتهم قد تفتقت عنها في سن مبكرة… أي بقدر الانتباه إلى التقصير في نقص صيانة جوانب حياتنا المادية ينبغي الانتباه إلى ذلك الجانب الآخر غير المادي الذي قد تكون تأثيراته أكثر عمقا وأكثر إيلاما مما نتصور.

ولعلّي لن أبالغ إذا قلت إننا في حاجة اليوم ليس إلى  التركيز على أهمية الصيانة في مختلف المجالات، بل إلى تحويلها إلى محرك جوهري لكل نشاطنا المعنوي والمادي من خلال إدراج ثقافة الصيانة ضمن برامجنا التكوينية أولا، وتدريب أبنائنا على كيفية القيام بها في سن مبكرة، وفي مقام ثان إيجاد هيآت مستقلة مَهمّتُها الأولى الرقابة على مدى الالتزام بمبادئ الصيانة على كافة الأصعدة؛ إذ لا يعقل أن نبقى في موقف المتفرج ونحن نرى كيف تُهدَر الملايير في مشاريع تُعاد كل سنة وأحيانا من الصفر نتيجة غياب الصيانة، أو نبقى في موقف المتفرج ونحن نرى أننا لا نملك سياسة واضحة لصيانة معتقداتنا الإيمانية من الانحراف أو أفكارنا الوطنية من التشويه نتيجة التأثير الكبير الذي أصبحت تلعبه مواقع القطيعة الاجتماعية (وليس التواصل) في هذا المجال.. بل علينا أن ننظر إلى مشكلة الصيانة التي تتعلق بالقيم الأخلاقية أو التقاليد الاجتماعية أو العلاقات الأسرية والحفاظ على الثروة الوطنية كقضية أمن قومي وليس فقط كظواهر سلبية أو آفات اجتماعية تحتاج إلى علاجِ بصفتها تلك.

علينا أن نتعلم، قبل هذا وذاك، الصيانة بجميع أبعادها وكيف نصون الصيانة ذاتها، لأننا نكاد ننسى ما لهذه المسائل من تأثير على الواقع الذي نعيش، وأحيانا نكاد لا نعرف حجم الخسائر التي تتسبب لنا فيها. هل تساءل أحدنا: كم علاقة أسرية واجتماعية خسرها نتيجة غياب ثقافة الصيانة لديه؟ وهل حسب كلٌّ مِنَّا كم خسر من أمواله الخاصة نتيجة تلكُّئه في مجال الصيانة؟ وهل أدرك كلٌّ مِنَّا بعد ذلك كم خسر ويخسر البلد ماليا ومعنويا نتيجة غياب أو ضعف هذا السلوك؟

 لنُعِد الأمر إلى نصابه ولا نتردد في الإعلان أن الصيانة ليست مسألة ثانوية نَلتفتُ إليها بين الحين والآخر إنما هي ذات بعد حيوي واستراتيجي.. على الأفراد والمجتمع والدولة إعادة الاعتبار لها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!