الرأي

حتى لا ينتقم التعليم من السياسة مرة أخرى!

محمد سليم قلالة
  • 1190
  • 2
ح.م

التعليم خَرَّبَتْهُ السياسة فانتقم منها. واليوم مازالت غير مُبالية به وسَينتقم منها أكثر إذا لم تَستقم.

مَا مِن شك في أن الجيل الذي ينتفض ضد السلطة حاليا هو ذلك الذي أهملته ذات السلطة عقوداً من الزمن. لم تعتن بمُعلِّمَه ولا ببرامجه ولا بما ستكون عليه تربيتُه بعد حين. كان التلميذ والمعلم هما آخر ما تُفكِّر فيه… فأصبح دعم السلطة والوقوف إلى جانبها هو آخر ما يُفكِّر فيه أيضا بعد حين، ومَن زَرَعَ حَصَد.

يذكرون أن الذي أعاد الرئيس الماليزي “محمد مهاتير” إلى السلطة وعمره 93 عاما، بعد أن تركها طواعية وجاء المفسدون بعده، هو ذلك الجيل الذي اعتنى به تعليمًا وتربيةً عندما كان رئيسا للوزراء أزيد من 20 سنة. كبر ذلك الجيل ورَدَّ الجميل إلى من اعتنى به (كان مهاتير وزيرا للتعليم)… وعلينا أن نَذكر أن الجيل الذي خرج طاردا السلطة السابقة من الحكم عندنا هو ذلك الذي تلاعبت به تلك السلطة ولم تُحسِن تكوينه وتربيته لمدة زادت عن العشرين سنة، وكما تدين تدان.

المعادلة هي هكذا ببساطة: لن تحميك الدساتير المُعدَّلة، ولا القوانين المضبوطة على المقاس، ولا القوة المهيأة لحالات الطوارئ، ولا الأموال المخزَّنة في بنوك الداخل والخارج، ولا الحاشية الخاضعة والخانعة، ولا القوى السياسية الداخلية والخارجية الدولية المؤيِّدة… إنما يحميك بعد الله تعالى، أمرٌ واحد، لا تخشى عواقبه مهما اشتدت الظروف والمِحن: جيل تُربِّيه وتُحسِن تربيته، وتعتني به فتُحسِن الاعتناء.

هل ما نراه اليوم يسير في هذا الاتجاه؟ هل كانت أولى أولوياتنا هي التلميذ والمعلم والمدرسة؟ أم اتجهنا وجهة أخرى؟
هل شرعنا في استباق المشكلات والمِحن، بمعلم وتلميذ نولِهما كل العناية، أم بمعلم وتلميذ يعيشان كل المحن؟
لنرى الصورة ونستشف من خلالها المستقبل:

المشهد الأول: أجر المعلم أدنى حتى من أجر العامل اليومي غير المؤهَّل (أقل من 1200 دينار في اليوم)، ساعات عمل ضاغطة (30 ساعة 8 مواد + 3 نشاطات)، ومذكرات تتبدل بتبدل الوزراء، وأعمال مكمِّلة تبدأ من توفير حصص الدعم الرسمية (دون تلقي أجرها في الغالب) وحراسة في ساحات اللعب، والإشراف على الإطعام (دون الحق قانونا في مشاركة التلاميذ الطعام)، وتنتهي بمرافقة صغارهم عند الحاجة حتى إلى دورات المياه!

المشهد الثاني: برامج تكوينية مليئة بالأخطاء، مقاربات تعليمية لا يفهمها حتى المفتشون، منشآت متآكلة تحت مسؤولية بلدية لم تُنقِذ نفسها، طموح وهمي نحو الرقمنة، حلم غير قابل للتحقق في الحصول على سكن، وأخيرا أولياء لا ترضيهم سوى العلامة الكاملة…

هل هذان المشهدان أولى بالمعالجة، أم الحديث عن الإصلاح السياسي والانتخابات القادمة وتوزيع الكوطات وإرضاء المعارضة أو زيد أو عبيد؟

يبدو بحق، أننا في حاجة إلى مراجعة الأولويات.. إذا كُنَّا بالفعل لا نريد للتعليم أن ينتقم من السياسة مرة أخرى. ونريد للأمل أن يعود من حيث ينبغي أن يعود: المدرسة!

مقالات ذات صلة