حذارِ يا صاحب الجلالة
أصبحت أرثي لجلالة العاهل الشقيق الذي يتحمل مسؤولية العرش المغربي، والذي قال الرئيس هواري بومدين يوما أنه لا بد من الحفاظ عليه لأنه ضمان استقرار المغرب الشقيق، وهو بالتالي ضمان الاستقرار في المنطقة، لكن ما نعيشه يعطيني الشعور بأن العاهل المغربي مُسيّر من قبل مجموعة من المستشارين والسياسيين الذين يغطون فشلهم بابتكار المواقف وصياغة البلاغيات التي تسيئ للعرش المغربي، ويذكر بالمثل الشعبي الجزائري “خانها ذراعها قالت سحروني”.
ففي ذكرى ثورة نوفمبر المجيدة نجد الملك يقوم بواجبه الأخوي بأسلوب جدير بالتقدير، ولكن سرعان ما يتحول هذا من النقيض إلى النقيض، بما يذكر بحكاية ”الدكتور جيكل ومستر هايد”، ويؤكد أفاعيل جماعة الوسواس الخناس، الذين وضعوا على لسان محمد السادس في خطابه الأخير تعبير “غنيمة حرب”، ويبدو أنهم اقتبسوه من كاتب ياسين رحمه الله، لمجرد القول بأن الجزائر تتاجر باللاجئين الصحراويين في تندوف، ونسي أولئك المستشارون أن التاجر يقوم بهذا العمل ابتغاء الربح، ولكنهم هم أنفسهم يردّدون في كل المجالات بأن الجزائر تضيع أموالها على الصحراويين.
وعندما يضيف أولئك المستشارون صفة “اللامشروع” لمهنة التجارة التي يتهمون بها الجزائر ينصرف الذهن مباشرة إلى تجارة المخدرات اللامشروعة، ومعروف من هو الذي يتاجر بالمخدرات في المنطقة، بل ومن يزرعها تحت الحماية الرسمية لكبار رجال الدولة.
وأذكر هنا، لمجرد التأكيد بأن هناك بجانب الملك من يسيئ له، بما حدث خلال الزيارة الرسمية التي نصح بها بعض المستشارين محمد السادس إلى مالي، التي كان هدفها تأليب الجار الجنوبي على الجزائر عبر الجمعيات الدينية، فقد حدث أن رفضت سيدة من مالي مصافحة الملك، وكنت أنا وبعض الرفاق ممن غضبوا لذلك، وطالبت شخصيا في مقالات منشورة وفي تصريح متلفز بمعاقبة مسؤول البرتوكول الذي لم يضع في حسابه احتمال تصرف سيدة مالية محجبة تجاه الملك، الذي رأيناه يمسح عرقه وقد فوجئ بالموقف، وكان موقفنا هذا لأن كرامة الشقيق من كرامتنا برغم أن هناك من أخذ علينا ذلك.
ونحن نعرف جيدا أن هناك في القطر الشقيق من أرضعوا كره الجزائر منذ نعومة الأضفار، لأن هناك من يتصور أن ضمان الوحدة الوطنية حول القصر يتطلب وجود عدوّ مكروه إلى جانب المغرب، ولو قمنا بإزالة القشرة الذهبية التي تبدو للوهلة الأولى من بعض الأشقاء لوجدنا تشنجا عصبيا يدعي بأن الجزائر دولة هجينة ليس لها تاريخ موحد، وهي كانت مستعمرة تركية، وأرضها كانت هبة من فرنسا التي اقتطعتها من المغرب، وكان استقلالها بفضل الدعم المغربي، ولكنها نسيت خير المغاربة الذي دعموا ثورتها، وأموالها ضائعة لإرضاء نزوات الجنرالات، إلخ إلخ، وكل هذا نسمعه ونقرؤه في تعليقات كثيرة.
لهذا أجرؤ على القول: حذار يا صاحب الجلالة من بعض مستشاريك فهم لعنة عليك وعلى شعب كريم، والقصر الملكي يجب أن يكون، كما قال الرئيس بو مدين يوما، جزءا من الحل وقاعدة للوفاق وليس جزءا من المشكلة وطريق نحو الشقاق.
ولقد قلت في خطابك البائس بأن الجزائر تستعمل الصحراويين للتسوّل.
حاشاك يا صاحب الجلالة
فالإعانة الدولية للاجئين هي مبدأ إنساني نشأ منذ قرون، شاهدناه في أوروبا خلال الحربين الأوروبيتين (التي يسموها الحروب العالمية)، وشاهدناه في فلسطين بعد النكبة ثم شاهدناه في مأساة يوغوسلافيا وأخيرا في مأساة سوريا، ومعروف أن حالات اللجوء كانت نتيجة لغزو غادر قامت به قوات غازية، تماما كما حدث في الصحراء الغربية كما يعرف العالم كله، حيث أدت الملاحقات الإجرامية إلى فرار أعداد من السكان فتحت لهم الجزائر واحات ليتنسموا الحرية وليحافظوا على حياتهم، في انتظار تطبيق قرارات الأمم المتحدة.
والمعونة التي تقدمها مؤسسات دولية كثيرة لهؤلاء اللاجئين هي دليل إحساس تلك المؤسسات بعدالة القضية التي نتجت عنها عملية اللجوء.
وليس سرا أن كل حبة قمح أو زجاجة دواء أو ثوب قماش أو علبة حليب تذهب مباشرة لللاجئين، فالجزائر ليست من البلدان التي تتخذ من اللاجئ وسيلة للتسوّل الذي تستثمر مداخيله في شراء الأسلحة من كل نوع، والعالم كله يعرف أننا نشتري أسلحتنا بأموالنا، ونعتبر معونة الأشقاء جزءا من واجباتنا كأمة عربية مسلمة.
ويبقى يا صاحب الجلالة نقطة أخرى خدعك بها مستشاروك، وهي اللجوء إلى ما يسمونها ورقة “القبايل”.
ونحن نعرف، وأنت أيضا تعرف إذا كنت تتابع الأخبار المحلية والدولية كمسؤول عن وطن وعن أمة، أن هناك مرتزقا جزائريا علاقاته العضوية بالعدو الصهيوني معروفة، وقيل إنه يوحي لكم بأنه جسر لقاء بين ”بربر” المغرب واليهود من أصل أمازيغي في إسرائيل، وهو يحاول أن يرتزق بإقناع القصر الملكي أن قضية “القبايل” هي نقطة ضعف النظام الجزائري، ستضطره إلى التراجع بلا قيد ولا شرط في موقفه تجاه الاستفتاء في الصحراء الغربية، لكن يبدو أنكم يا صاحب الجلالة لا تعرفون الجزائر ولا تعرفون القبائل، وبغض النظر عن أن الشعب الجزائري استفتي في 1962 على الاستقلال والوحدة الوطنية فليس هناك وطني جزائري يقبل المساس بالوحدة الوطنية التي وقعتها دماء الملايين من أبناء شعبنا منذ جوان 1830، وليس هناك على وجه التحديد قبائلي شريف، ورث وصايا لالا فاطمة نسومر وعميروش وكريم بلقاسم وعبان رمضان وديدوش مراد ومئات الآلاف مثلهم، يرفع أصبعا واحدا لتأييد المغني الفاشل، اللهم إلا إذا كان سيدخله في مكان لا أذكره حياء.
ونحن نعرف أن بعض مستشاريكم يبحثون عما يرون فيه نقطة ضعف جزائرية، ولو حدث أن قامت مجموعة من المخنثين، الذين تعرفهم كل بلدان العالم وتجدونهم عندكم وعندنا، بالمطالبة بزواج المثليين في الجزائر فسيسارعون لتبني قضيتهم، لاتهام الجزائر بمحاربة حرية التعبير ومعاداة الحريات الشخصية.
لهذا يا صاحب الجلالة كتبت هذه السطور، محبة في الشعب المغربي الذي لا ننسى فضله وكرمه، وتسجيلا للتقدير والاحترام والمحبة التي نحملها لجدك العظيم، الملك محمد الخامس طيب الله ثراه، وآية وفاء لمجاهدي ومناضلي المغرب الشقيق وفي طليعتهم الأمير عبد الكريم الخطابي والمهدي بن بركة.