الرأي

حذار من الحذر

محمد سليم قلالة
  • 2774
  • 12

لعل الحذر في السياسة هو منقذنا لحد الآن وليست الإستراتيجية أو اليقظة أو استشراف المستقبل هو الذي مكننا من تفادي الكثير من الأزمات ومنع غيرنا من أن يجد مداخل لتمرير سياسته تجاهنا.. مع الجميع وفي كافة المستويات لا توجد سياسة حذرة مثل السياسة الجزائرية.

على الصعيد الخارجي لا هي سارت ضمن ما حدده الاتحاد الأوربي ولا هي رفضت ذلك مثلا، لا هي اعتمدت الأسلوب والمواقف الأمريكية في التعامل مع محيطها المحلي والإقليمي، ولا هي قبلتها قبولا تاما كما فعل البعض، ولا هي سايرت التغيير الذي حصل في العالم العربي ـ سلبا أو إيجابا ـ ولا هي رفضته… وقس على ذلك مع الآخرين.. ولحد الآن ينبغي أن نعترف بأن هذه السياسة أتت أُكلها في الكثير من الأحيان وتركتنا بمنآى عن الكثير من السيناريوهات، السالبة طبعا…

أما على الصعيد الداخلي فنحن اليوم نتكلم عن حذر من الانتخابات، وحذر من العهدة الرابعة، وحذر من الإسلاميين، وحذر من الشباب، وحذر من الشعب بشكل عام. سياستنا لا هي تريد أن تفرض على الرأي العام سياسة معينة ولا هي سايرته فيما يريد، بل تتعامل مع الكل بنفس المنهجية: الحذر ثم الحذر.

هل ينفع هذا في الداخل كما نفع في الخارج؟ وما هي دلالات ذلك؟ وهل له حدود؟

لقد بدا لي أن الحذر أحيانا قد يحقق نتائج تكسبنا بعض الوقت ولكنه لن يستطيع أن يحقق ما يستطيع صاحب مشروع ورؤية إستراتيجية أن يحققه. فإذا كنا بحق نريد لبلادنا أن تتقدم، ينبغي أن تكون حذرة حقيقة في خطواتها، ولكنها ينبغي أن تتبنى إستراتيجية شاملة وواضحة، تنظر من خلالها بعيدا وبشكل واسع وتجازف أحيانا لكي تتمكن من أن تنتقل إلى الجهة الأخرى من الخط  الفاصل بين المؤهلين للالتحاق بمصاف الدول المتقدمة وغير المؤهلين.

لقد مكنتنا سياسة الحذر في التعامل مع الاتحاد الأوروبي ومع الدول الصناعية بشكل عام من تفادى سلبيات الاندراج التام ضمن ما يخططونه وذلك منذ نحو عشرين سنة من الآن، وكذلك الشأن بالنسبة للتعامل مع القوة الدولية الأخرى إن في المجال السياسي او الاقتصادي أو غيره، ونفس الشيء بالنسبة لتعاملنا مع القوى السياسية الداخلية، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار… ويبدو أننا وصلنا الآن إلى مرحلة نحتاج فيها إلى أن نتحرك ضمن إستراتيجيتنا الخاصة ومنظورنا المدروس للتطورات القادمة وأن نتجاوز مرحلة السياسة القائمة على الحذر ثم الحذر.

ولعل الرئاسيات القادمة هي المناسبة الأقرب لنا اليوم لنعرف هل سنستفيد من حذرنا السابق ـ المدروس وحتى الغريزي أحيانا ـ ونقدم للرأي العام المحلي وللقوى الدولية رؤيتنا الجديدة للسنوات القادمة، أم أن نبقى ضمن سياستنا الحذرة التي نقول ونؤكد: حذار من محدوديتها.

مقالات ذات صلة