الرأي

حربٌ على الآيات والأحاديث!

حسين لقرع
  • 1756
  • 17
أرشيف

احتدم، في الآونة الأخيرة، جدلٌ كبير في مصر والوطن العربي، بشأن قرار حذف الآيات القرآنية والأحاديث النبوية من كل الكتب المدرسية المصرية، واقتصارها على كتاب مادّة الدين، بذريعة أن المدرّسين “يسيئون تفسيرها بما يخدم التطرّف والإرهاب”!

كان يمكن أن يمرّ هذا القرار، الذي كشف عنه نائب وزير التربية والتعليم المصري رضا حجازي في البرلمان المصري، من دون أن يثير أيّ لبس أو ردود أفعال متوجّسة وغاضبة، لأن مكان النصوص الدينية من آياتٍ وأحاديث هو– منطقيا- في ثنايا كتاب التربية الإسلامية، وليس كتاب اللغة العربية أو التاريخ والجغرافيا مثلاً، وقد اتخذت بن غبريط رمعون قرارا مشابها منذ أزيد من ثلاث سنوات، وجسّدته في كتب “الجيل الثاني” من “إصلاحاتها”، من دون أن يثير ذلك ضجّة كبيرة بالجزائر، واكتفى أنصار الثوابت الوطنية بإفشال مخطّط الوزيرة الساعي إلى تقزيم مكانة التربية الإسلامية في المنظومة التربوية.. لكنّ المريب في الأمر بمصر أنّ نائب وزير التربية كشف أمام لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان المصري، عن إدراج كتاب جديد في المنهاج التعليمي يطرح “الوجه الليبرالي للدين، ويؤكد ما هو موحّدٌ بين الأديان ويحث على التسامح”، وأيّد أحدُ النواب هذا التوجّه ودعا بدوره إلى تدريس مادة الدين في “حصص مشتركة” للمسلمين والأقباط المسيحيين، وذلك لتعليم التلاميذ “القيم المشترَكة بين كلّ الأديان، ومبادئ التسامح والمواطنة، والعيش المشترَك”!

ومعنى هذا أنّ مصر تتّجه إلى إلغاء كتاب التربية الدينية الحالي، وتعويضه بكتاب جديد، يجسّد فكرة “التربية الأخلاقية”، التي طالما نادى بها العلمانيون العرب بقوّة، لاسيما بعد أن بدأ الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج بوش الابن، يتحدّث عن “الشرق الأوسط الجديد”، إثر غزوه العراق في سنة 2003، ويدعو الدول العربية والإسلامية إلى ضرورة مراجعة مناهجها التعليمية، وإفراغها من النصوص الداعية إلى ما سماه “العنف والتطرّف”.. وقد رأينا بعدها كيف بدأت الدولُ العربية الحليفة لأمريكا تُراجع مناهجها التربوية تدريجيا وتلغي الآيات والأحاديث والدروس التي تتحدّث عن تحرير القدس والجهاد في سبيل الله، ومنها مصر التي ألغت، منذ سنوات، دروسا تمجِّد بطولات صلاح الدين الأيوبي وعقبة بن نافع… لأنها اعتُبرت “مشجِّعة على العنف والتطرّف الديني”؟!

وفي سياق تصاعد موجة التطبيع والخيانة في الأشهر الأخيرة، عاد الحديث عن تعديل المناهج التربوية لدول الانبطاح، لتنسجم مع المرحلة الجديدة؛ فأقدمت المغربُ منذ أسابيع قليلة على إدراج “التراث اليهودي” في مقرِّراتها، بشكلٍ جعل المغاربة المناهضين للتطبيع يصفونه بأنه “أخطر أنواع التطبيع على الإطلاق”، لأنه يتجه إلى عقول الأجيال القادمة ويقتل فيها أيّ عداوة للاحتلال. وهاهي مصر الآن تتحدّث عن “كتاب ديني مشترَك” للتلاميذ المسلمين والأقباط، يتحدث عما هو “موحّد ومشترَك بين الأديان”، وكأنّه بذلك يُكمل مشروع “المعبد الإبراهيمي المشترَك للديانات الثلاث”، في الإمارات، ويعزِّز فكرة “وحدة الأديان” ذات المنشإ الصهيوني الماسوني.

في سنة 2015، دعا السيسي إلى ما سماه “إصلاح الدين”، فانبرى له الأزهرُ بقوّة وانتقد الدعوة وحذّر من خطورتها وتداعياتها، لكن الملاحظ أنّ الأزهر قد آثر الصمت هذه المرة، وعلماء الأمة كأنّ على رؤوسهم الطير وهم يرون الأنظمة تشرع في كيّ وعي شعوبها، لاسيما الأجيال الصاعدة، وتجهيلِها في دينها، وتعليمها قبول الاحتلال والتعايش معه باسم “التسامح” و”العيش المشترَك”.. حتى لا يظهر بعد عقودٍ من الآن من يعرف سيرة صلاح الدين وينادي بالجهاد لتحرير فلسطين والأقصى.. ولا نستبعد، والأمّة على هذا الحال من الاستسلام والهوان، أن يأتي يومٌ تُقدِم فيه أنظمة الاستبداد والعمالة على حذف سور وآيات من القرآن الكريم نفسه، لاسيما التي تتحدّث عن اليهود، استجابة لإملاءات أمريكا والحليف الصهيوني.

مقالات ذات صلة