-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حربٌ من أجل عيون فرنسا!

حسين لقرع
  • 1750
  • 0
حربٌ من أجل عيون فرنسا!

مبدئيًّا، لسنا مع الانقلابات العسكرية في أيّ بلد، ونأمل أن تعمّ الديمقراطية الحقيقية والتداولُ على الحكم دولَ العالم أجمع، لكنّ وقوع انقلابٍ عسكري في أيّ بلدٍ لا يمنح الحقَّ لبلدان أخرى، مجاوِرة أو لها نفوذٌ ومصالح فيه، بأن تقوم بغزو أراضيه وتشنّ عليه حربا ضارية قد تُحرِق الأخضر واليابس وتُفاقم معاناة شعبه، باسم “الديمقراطية” و”استعادة الشرعية”… وغيرها من الذرائع والأسماء الرنّانة.

نقول هذا بعد أن وجّهت مجموعة دول غرب إفريقيا “إيكواس” إنذارا شديد اللهجة لانقلابيي النيجر، بضرورة ترك الحكم وإعادة الرئيس محمد بازوم إلى الرئاسة في آجال تنتهي مساء الأحد 5 أوت، وهو في الواقع إنذارٌ ينمّ عن عجرفةٍ واستعلاء وتدخُّل سافر في الشؤون الداخلية لبلدٍ ذي سيادة، والمُحزن في هذا كلّه أنّ هذا الإنذار يأتي خدمةً لفرنسا التي طالما أكّدت سياساتُها في دول القارة السمراء أنها لا تريد إلا دولا ضعيفة ذليلة تابعة لها سياسيا واقتصاديا وثقافيا؛ دولًا تستغلّ ثرواتِها وخيراتها بأسعار بخسة، ثم تترك شعوبها عرضة للبؤس والخصاصة. ولذلك انتفضت عدّة دول إفريقية على هذا الواقع القاتم وطردت فرنسا من أراضيها، وفي مقدّمتها إفريقيا الوسطى وغينيا ومالي وبوركينا فاسو، وأخيرا، وليس آخرا، النيجر منذ 26 جويلية الفارط.

وحينما تخرج الجماهير في نيامي في مظاهراتٍ صاخبة لتأييد العسكريين، فهي في الواقع تحتفي بنهاية النفوذ الفرنسي في بلادها وما يحمله من جشع ونهب وإفقار؛ ففرنسا تستغلّ سنويا أزيد من ألفي طنّ من ثروة اليورانيوم من دون أن  يظهر لذلك أيُّ أثر في معيشة النَّيْجَريين، وفي تطوّرِ بلدهم الذي يعدُّ أحد أفقر بلدان العالم ويعتمد في ميزانيته السنوية على المساعدات الدولية بنسبة تتجاوز الـ40 بالمائة.. اليوم، حان الوقتُ للتخلّص من النفوذ الفرنسي، ومن التدخّلِ العسكري الفرنسي الذي وضع البلادَ مجددا تحت الوصاية ولم يجلب سوى انتشار المزيد من الإرهاب في النيجر والمنطقة.

اليوم، تثور إفريقيا على جشع فرنسا واستغلال ثرواتها بأبخس الأثمان وتطردها من بلدٍ إلى آخر، ولن تقبل بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، لذلك رأينا كيف قابل عسكريو النيجر تهديداتِ فرنسا والدولِ الموالية لها في “إيكواس” بثباتٍ وإصرار على إفشال أيِّ غزو عسكري، ونأمل أن لا  تُنفّذ هذه التهديدات، لأنّ اشتعال حربٍ جديدة في المنطقة سيعني المزيد من المعاناة للشعب النيجَري الفقير، والمزيد من التدهور في منطقة الساحل والدول المجاورة التي سيفيض عليها مئاتُ الآلاف من اللاجئين إذا طال النزاع.

ونذكّر دولَ “إيكواس” أنّ توجيه جهودها العسكرية لمحاربة الإرهاب المستشري كالسرطان في أراضيها هو أولى من خوض هذه الحرب الجائرة على بلدٍ إفريقي شقيق بالوكالة لصالح فرنسا. من المؤسف أن نرى بلدا مثل نيجيريا التي ينخرها تنظيمٌ إرهابيّ خطير اسمه “بوكو حرام” ويسيطر منذ سنوات على مساحات واسعة من أراضيها ويحرّم على جيشها دخول بعض المدن إلى حدّ الساعة، تتناسى هذا الخطرَ الداهم وتقود جيوشَ بلدان “إيكواس” لغزو النيجر وإعادتها إلى حظيرة الطاعة الفرنسية، من دون أدنى اكتراث بحياة الجنود الأفارقة والنيجَريين ومعاناة الشعب النيجَري، فضلا عن خطر تحويل هذا البلد الإفريقي إلى دولةٍ فاشلة جديدة بالمنطقة على غرار ما حدث لليبيا عقب غزو الناتو لها في 2011 للإطاحة بالقذافي ونظامِه.

ومهما يكن من أمر، فقد بدأت الإمبراطورية الفرنسية تنهار في إفريقيا لفائدة قوى دولية أخرى كروسيا والصين وتركيا، ولم يعُد أمام فرنسا سوى المراجعة العميقة لسياساتها الجائرة الاستعلائية تجاه ما تبقى لها من دول القارة، وإلا ستُطرد منها جميعا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!