جواهر

حرب بوسيدون وأثينا!

أماني أريس
  • 7858
  • 12
ح.م

ذات يوم بعيد؛ استيقظ سكان العاصمة اليونانية على وجود شجرة زيتون بجوارها نبع عذب في وسط مدينتهم، وعندما ذهبوا إلى كهنة دلفي (معبد النبوءات) لتأويل ذلك، أخبروهم أن الوقت قد حان لاختيار اسم للمدينة، ولن يكون غير “بوسيدون” أو “أثينا” وهما ابني زيوس! وبعد عملية اقتراع لسكان المدينة اختاروا اسم أثينا، فقرّر بوسيدون الإنتقام من أخته وجميع النساء، بتأليب الرجال ضدّهن، وكانت تلك الشرارة الأولى لحروب النّدية بين الجنسين!

هذه القصة وإن كانت مجرّد أسطورة، فهي تحمل جزءا من الصواب نشهده يوميا على شكل حروب فكرية تدور رحاها بين الجنسين، أو بين المؤدلجين بصفة عامة، وبسلاح تبادل الاتهامات يتعب فيها الكلام من الكلام، وتبقى دار لقمان على حالها، وتظل نفس المشاكل تراوح مكانها، بل وتتعاظم دون حل أو حتّى فكرة نورانية قيّمة تسطع على جليد التعصب فتذيبه، وتفتح نافذة تطل عن آفاق مشرقة، لرؤى نافذة إلى جذورها.

فالمرأة تعتبر الرجل وحده سبب تعاستها، وحجرة العثرة في طريق ارتقائها، وبالمقابل يعتقد الرجل أن المرأة سبب انتكاسة العالم، وكوارث الطبيعة، وعدوه الذي يريد أن يسلب منه أحقية الزعامة والقوامة، وهي كلها رؤى تعبر عن واجهة جزء من الواقع ولا ترى خلفياته.

والنظرة الأعمق والأشمل – أراها – قد عبّر عنها بأستاذية المفكر الجزائري مالك بن نبي الذي لا ينفي وجود مشاكل ومظالم، لكنّه لا يسطّح القضية في التجزيء وتأليب طرف ضد طرف آخر، إنما يعتبرها مشكلة اسمها “الإنسان” بشقّيه الرجل والمرأة، ويقول بن نبي “إذا كان الرجل والمرأة يكونان فردين من الناحية العددية، فهما يكونان فردا واحدا من الناحية الاجتماعية لقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ..} أي رجل + امرأة = نفس واحدة (وهي الإنسان). فإذا قررنا وسلمنا أن هناك مشكلة تسمى المرأة، يجب أيضا أن نقرر- من باب المنطق- أن هناك مشكلة أمامها تسمى مشكلة الرجل، وحينئد نقول أيها الرجال اتحدوا، كما قلنا أيها النساء اتحدن، ضد من؟ لسنا ندري!”.

وكحل يقترح بن نبي ضرورة مراجعة الفكرة لا في ضوء الحضارة الغربية التي سوقت لنا هذا الصراع في ترسانة قوانين ومصطلحات، ولكن في ضوء القوانين والسنن الإلهية التي تتصرف في مصير المجتمعات الإنسانية حتى المجتمع الغربي نفسه لا المجتمع الإسلامي فقط.

 بناء على كلام بن نبي نبقى ننشد ذلك الوعي الذي يخرجنا من الصراع المستهلك بين الرجل والمرأة، ونجد من يتعامل مع القضايا العادلة لأي طرف بالتفكير في المصلحة العامّة للمجتمع ككل حاضرا ومستقبلا، ويتجاوز أنانية التفكير في المصالح الفردية الضيقة، والنزعات الذاتية التي يعزف على وترها كل الانتهازيين!

مقالات ذات صلة