-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حرب خاطفة تفتح باب السلم في لبنان

عابد شارف
  • 5673
  • 0
حرب خاطفة تفتح باب السلم في لبنان

بسرعة مفاجئة، عاد الهدوء إلى لبنان. فبعد معركة قصيرة، راح ضحيتها ثمانين شخصا، وبعد حرب كلامية دامت سنة كاملة، وبعد ضجيج غربي حول لبنان المسالم الذي تهدده قوى الشر والتطرف، اتفقت كل الأطراف اللبنانية على الجلوس حول مائدة التفاوض.

  • والبحث عن مخرج للأزمة، ثم العودة إلى حياة دستورية عادية. وجاء انتخاب رئيس جمهورية الجديد، ميشال سليمان، ليرمز إلى هذا التطبيع، مما يفتح أمام لبنان مرحلة جديدة يمكن أن تؤدي إلى الانفراج، لكن ذلك لا يعني أن الانزلاق مستبعد بصفة نهائية.
  • وقد تكلم الكثير عن أسباب هذا الانفراج المفاجئ، وعن الأطراف الفاعلة التي فتحت له الباب، كما اضطر الغرب وأصدقاؤهم من العرب على الاعتراف بالانتصار الجديد لحزب الله وزعيمه حسن نصر الله. ولم ينزلق هذا الأخير نحو المغامرة والخطأ الذي كان منتظرا منه، كما أن الغرور لم يأخذ منه شيئا. عكس ذلك، ظهر نصر الله متواضعا، رافضا للحرب بين اللبنانيين، وأكد أن سلاحه يبقى مكرسا لمقاومة الاحتلال.
  • ورغم الكلام الكثير حول الأزمة اللبنانية، إلا أن بعض النقاط الأساسية التي ساهمت في الانفراج بقيت مبهمة، خاصة منها تلك التي تؤكد هشاشة القوى الموالية لأمريكا ورزانة التيارات التي تتبنى موقفا وطنيا مستقلا، فقد أثيرت الأزمة الأخيرة بعد محاولة لتجريد حزب الله من شبكة اتصال أساسية في تنظيمه السياسي والعسكري وآلته الحربية بصفة خاصة، إلى جانب محاولة لمنعه من التحكم في مراقبة مطار بيروت، عبر عزل أحد الضباط المقربين منه.
  • وجاء رد حزب الله بطريقة أكدت من جديد أنه لا يوجد في لبنان من يستطيع أن يواجهه عسكريا، كما أكدت أن القوى الجديدة التي راهنت عليها أمريكا وفرنسا لا تمثل شيئا في الميدان. ورغم الدعم السياسي وطاقاته المالية، لم يتمكن سعد الحريري أن يقيم تنظيما عسكريا أو ميليشيا تدخل المواجهة. وأدركت الدول الغربية أنها راهنت على دوائر وأطراف فاشلة.
  • وحقيقة الأمر أن الدول الغربية كانت مستعدة لدفع لبنان إلى حرب جديدة، لأنها تريد منذ مدة أن تقضي على حزب الله بأيادٍ لبنانية أو عربية. ولعل الدول الغربية اعتبرت أن استشهاد القائد العسكري السابق لحزب الله عماد مغنية يكون قد أحدث خللا في التنظيم العسكري للحزب. لكن الأطراف الخارجية الداعية إلى الحرب أدركت بعد يومين فقط أن مواصلة المواجهة العسكرية ستؤدي إلى انتصار حزب الله، الذي يكسب أقوى تنظيم. ودفع هذا الوضع بسرعة إلى البحث عن حل وسط يحافظ على سعد الحريري ووليد جنبلاط، ولو أدى ذلك إلى تحقيق بعض مطالب حزب الله.
  • أما سعد الحريري، الذي دخل الساحة باسم وثروة أبيه، فإنه ظهر كشبح كبير، لكن لا حول ولا قوة له. ولم يسمح له كل الدعم الذي تحصل عليه من بناء قوة عسكرية حقيقية، كما أنه لم يتمكن أن يفرض نفسه كزعيم لأهل السنة. وظهر ضعف سعد الحريري لما سيطر حزب الله على بيروت الغربية بعد ساعات من القتال فقط، رغم أن بيروت الغربية تعتبر عادة منطقة سنية. وإضافة إلى فشله العسكري، لم يتمكن سعد الحريري أن يفرض نفسه كبديل حقيقي للعائلات الكبرى التي تمثل عادة أهل السنة، والتي تتمتع بماض عريق وتاريخ سياسي طويل. ولعل هذه النقطة كانت أساسية في حسم الموقف، لأن بروز سعد الحريري كان يهدف إلى تحويل ممثلي السنة إلى أطراف موالية للغرب ومعادية للمواقف العربية الوطنية، عكس تقاليد هذه الفئة التي كانت مقربة من المقاومة الفلسطينية، ولو بشكل معتدل.
  • ولما اتضح ضعف سعد الحريري، أدرك الكل أن الحرب مستحيلة، لأنها ستؤدي إلى انتصار حزب الله، إلا إذا تدخلت أمريكا أو إسرائيل، مع العلم أن مثل هذا القرار غير وارد، لأن إسرائيل ليست مستعدة لخوض حرب جديدة ضد حزب الله، ولأن أمريكا ليست مستعدة كذلك أن تفتح جبهة أخرى بعد العراق وأفغانستان، وأخيرا لأن دخول هذه الأطراف في الحرب سيؤدي إلى كارثة سياسية دون أن يكون الانتصار مضمونا في الميدان العسكري.
  • ولما اجتمعت كل هذه المعطيات، لم يبق إلا الإعلان عن وضع حد للأزمة الحالية، وتأجيل المواجهة إلى ظروف أخرى، في انتظار تغيير ميزان القوى لصالح الأطراف التي تريد القضاء على حزب الله.
  • ويبدو ذلك صعبا، لا لأن حزب الله قوة خارقة للعادة، بل لأنه تنظيم استطاع أن يستعمل ما يملك من قوى بصفة عقلانية، كما أنه تنظيم لا يقتصر على الشيعة، بل أنه يشمل الكثير من الطوائف الأخرى، من سنة ومارونيين وقوميين وعرب من بلدان أخرى، اختاروا عن قناعة أن يرفضوا الاستسلام للأمر الواقع. وتحول حزب الله من تنظيم شيعي طائفي إلى تنظيم يتجاوز حدود لبنان.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!