حرب ضد التجارة الموازية… في انتظار الحرب ضد السلطة الموازية
سجل السيد عبد المالك سلال نقطة لصالحه لما قرر محاربة التجارة غير الشرعية منذ توليه رئاسة الحكومة، لكن إلى أين سيصل في محاربة النشاط الموازي؟ هل سيواصل إلى حد محاربة السلطة الموازية؟
في أول عملية له بعد تعيينه على رأس الحكومة الجديدة، أعلن السيد عبد المالك سلال حربا على التجارة الموازية. وخلال أيام قليلة، استطاعت مصالح الإدارة، بمساعدة وحدات الأمن، أن تمنع أكثر من ألف متعامل دون رخصة من ممارسة التجارة على الرصيف وفي أمكان غير قانونية، كما قضت على أكثر من 200 “محل” غير شرعي وغيرها من “البنايات” القصديرية التي سيطرت على العاصمة وأصبحت تشكل جزءا من النشاط الاقتصادي.
وتتواصل عملية محاربة التجارة الموازية في العاصمة وفي مختلف مدن البلاد. وخلال فترة قصيرة، تغيرت صورة بعض المدن والأحياء، وأصبحت حركة المرور مقبولة، بينما عادت بعض الطرق إلى وضع عادي بعد ما كانت مكتظة بسبب أولئك التجار الذين استولوا بطريقة غير قانونية على المساحات العامة. وسواء في القبة أو باش جراح أو حسين داي والدار البيضاء، اختفت تلك الطاولات والمحلات التجارية المبنية من “كارون” و”زانق”، واكتشف سكان بعض الأحياء أنه من الممكن لشوارعهم أن تكون جميلة هادئة لا يسيطر عليها تجار يعملون دون رخصة .
وكان السيد سلال قد أعطى الإشارة منذ تعيينه، لما قال أن المدن الجزائرية بحاجة إلى عملية تنظيف واسعة. وفور تعيينه، كانت عملية التنظيف موازية مع محاربة التجارة غير الشرعية، حيث بادرت السلطات المحلية بالقضاء على الأسواق الموازية في العاصمة وفي باقي مدن البلاد، ومازالت العملية متواصلة. ويكون السيد سلال بهذه العملية البسيطة قد سجل هدفا أول لصالحه، وذلك دون جهد. وكان يكفيه أن يعمل على احترام القانون وفرض قوانين الجمهورية في الأماكن العمومية، وهي العملية التي قام بها ونجح في تطبيقها ولقيت ترحيبا من المواطنين، رغم بعض الانتقادات حول مصير هؤلاء التجار واحتمال لجوئهم إلى العنف والإجرام.
ومع هذه العملية الكبرى لمحاربة التجارة الموازية، يمكن أن نشير إلى أربع نقاط، أولها أن قرار الدولة السيطرة على الشوارع واستعادة جزء من سلطتها تم بطريقة مقبولة. ولم يتم تسجيل أعمال عنف تذكر ولا مواجهات مع التجار غير الشرعيين مثلما كان يخشاه البعض. وكانت قوات الأمن مستعدة للعملية، ولعل الجو السياسي والبسيكولوجي كان ملائما كذلك.
إذا واصلت الحكومة عملها في مواجهة ما هو غير شرعي، فإنها ستواجه يوما العمل السياسي غير الشرعي، كما ستواجه المراكز والمصادر غير الشرعية للسلطة.
أما النقطة الثانية فهي تتعلق بنفس العملية التي قامت بها الحكومة أواخر سنة 2010. وقد بادرت قوات الأمن بالقضاء على عدد من الأسواق الموازية، لكن الجو السياسي العام كان متوترا، وكان الربيع العربي على أوجه، وقد نشبت سلسلة من المظاهرات في مختلف المدن الجزائرية بداية جانفي 2011، فتراجعت السلطات عن العملية. وأكثر من ذلك، ظهرت الحكومة وكأنها تخاف المتظاهرين وتخشى المواجهة، وظهر وزير الداخلية دحو ولد قابلية في التلفزيون وقال أن الحكومة لا تنوي منع التجارة الموازية، وليس في نية الحكومة أن تحارب هؤلاء التجار ولا أن تمنعهم من ممارسة نشاطهم…
أما النقطة الثالثة فهي تتعلق بطبيعة الحملة الحالية. هل هي حملة ظرفية ستدوم أياما أو أسابيع قبل أن ينساها الجميع وتعود الأمور إلى مجارها، أم أنها عملية تدخل ضمن خطة سياسية، مما يعني أنها ستكون متبوعة بإجراءات أخرى تعمل كلها لفرض القانون في كل الميادين؟ هل يتم توسيع العملية إلى كل ما هو مواز وغير قانوني، من أجل استعادة الدولة لسلطتها وهيبتها وشرعيتها في كل الميادين، حتى يعود الطريق والرصيف تحت سيطرة الدولة، ويصبح القانون هو القاعدة الأساسية السائدة في الفضاء العام؟
إن العملية بهذا المنظور تصبح معقدة إلى حد ما. وستجد الحكومة نفسها مضطرة إلى توسيع الجبهة في مواجهة النشاط الموازي، ليشمل مثلا أولئك الشباب وغير الشباب الذين استولوا على الشوارع لاستعمالها “باركينغ”. كيف التعامل معهم مع العلم أن ذلك يطرح قضية بطالة وقضية أمن في نفس الوقت. هل يجوز للحكومة أن تمنع نوعا من العمل الموازي وتسمح بنوع آخر غير شرعي؟
وأكثر من هذا كله، إذا واصلت الحكومة عملها في مواجهة ما هو غير شرعي، فإنها ستواجه يوما العمل السياسي غير الشرعي، كما ستواجه المراكز والمصادر غير الشرعية للسلطة. وبلغة أخرى، ستحارب الحكومة كل أنواع السلطة التي تصدر من خارج المؤسسات الرسمية للبلاد، بمعنى أنها ستفرض قواعد الدستور والقانون على كل الناس، بما فيه أهل السلطة. فهل الجزائر مستعدة لمثل هذه العملية؟