الجزائر
ولاة يوبخون وآخرون يُحضرون الصحافة كشاهد لتبرئة الذمة

حسبلاوي صدم الجزائريين.. فرعون وبوضياف أرادا السير على خطى قيدوم

صالح سعودي
  • 7920
  • 9
ح.م

عرف مؤخرا، الواقع الميداني خرجات أثارت الكثير من الجدل والاستياء، أبطالها وزراء وولاة لم يحسنوا التفاوض مع العديد المواقف التي تحولت إلى عثرات وطرائف، على غرار تصريحات وزير الصحة حسبلاوي بعد حادثة وفاة الأستاذة الجامعية عويسات عائشة بلسعة عقرب، وكذا نوعية الوعود التي قدمها بعد انتشار وباء الكوليرا في بعض المدن الجزائرية، ناهيك عن طريقة تعامل والي البليدة مع إحدى المريضات، ما كلفه التوقيف من طرف السلطات العليا، وصولا إلى الانتقادات التي طالت مؤخرا والي قسنطينة على خلفية الأمطار الرعدية التي تسببت في وفاة ضحيتين وغرق عدد معتبر من السيارات.

أجمع الكثير من المتتبعين على انحطاط الخطاب الرسمي في السنوات الأخيرة، ما خلف صدمة حقيقية لدى المواطن البسيط، خاصة في ظل ردود الأفعال التي تقابل حسب البعض بكثير من السلبية وعدم المبالاة، على غرار ما حدث في حادثة وفاة الأستاذة الجامعية عائشة عويسات بسلعة عقرب أبقتها في غيبوبة بمستشفى ورقلة، ليتوفاها الأجل بعد 10 أيام دون أن تتخذ الجهات المعنية الإجراءات اللازمة، بحجة غياب طبيب أعصاب ونقص الإمكانات، ليزداد الوضع سوء بعد تصريحات وزير الصحة حسبلاوي الذي وصف العقرب بالحيوان المسالم، وهو ما يعني حسب قراءة المواطنين بأن الأستاذة الراحلة هي التي عكرت مزاج العقرب “المسالم”، وفي السياق ذاته، خلفت خرجة والي البليدة اتجاه إحدى المريضات في المستشفى الكثير من الاستياء، بعدما اعتبر الكثير طريقة حديثه معها نوع من الاستهزاء، حين رفض فتح الباب بنية التقرب ونقل انشغالاتها، وهو التصرف الذي كلفه إنهاء مهامه من السلطات العليا، في الوقت الذي لم يتقبل البعض تصريحات بعض الولاة وطريقة تعاطيهم للوضع الحاصل بعد الأمطار الرعدية التي كلفت خسائر مادية وأخرى في الأرواح، آخرها كلام والي قسنطينة الذي تعرض للنقد واللوم على مواقع التواصل الاجتماعي بخصوص طريقة وصفه للكارثة، رغم أن الأمار والسيول تسببت في وفاة شخصين.

ولاة بين التوبيخ والهرولة وسوء التقدير

وإذا كان كابوس الكوليرا قد جعل مؤخرا الولاة وبعض الهيئات في حالة ترقب واستنفار، في ظل تزايد موجة اللوم والنقد اللاذع، ما خلف بعض القرارات، على غرار والي باتنة الذي قرر غلق إحدى العيادات الخاصة تحفظيا بحجة رمي النفايات غير بعيد عن بعض الأحياء السكنية، إلا أنه في المقابل، ينظر البعض إلى خرجات الولاة بعديد القراءات، خاصة وأنها تجمع بين لغة التوبيخ والهرولة أو التلفظ بعبارات قد تكلف الكثير بسبب سوء التقدير، على غرار ما حدث لوالي البليدة الذي تم توقيفه بسبب تعامله مع إحدى المريضات بطريقة وصفت بالمهينة، وهو سيناريو أعاد إلى الأذهان طريقة توقيف والي سكيكدة منذ عامين، حين استهان بالمجاهدين بالقول أن الذين حرروا الجزائري قد ماتوا أو استشهدوا، ما كلفه التوقيف وإنهاء مهامه، وهو نفس الوالي الذي كانت له خرجة حين أقدم على توبيخ إحدى رؤساء البلديات حين كان المسؤول الأول على ولاية أم البواقي. وعلى ذكر لغة التوبيخ فقد كانت ملاذ بعض الولاة، على غرار ما قام به والي باتنة منتصف أوت المنصرم، حين أصدر قرارا يقضي بحرمان أحد المواطنين من سكن اجتماعي بالمدينة الجديدة حملة 3، بحجة إقدام هذا الأخير على إحداث تعديلات في منزله بطريقة وصفت بغير القانونية، قبل أن يتنازل الوالي عن هذا القرار موازاة مع حلول عيد الأضحى المبارك، نفس الوالي وقع صنع الجدل في مواقع التواصل الاجتماعي بسبب فيديو مسرب يتحدث عن الصحابي الجليل أبو هريرة بطريقة وصفها البعض بالاستهزائية خلال مخاطبته لبعض أئمة بريكة ودعوتهم إلى تكريس خطبهم في مطالبة المصلين إلى الاهتمام بالنظافة. وفي السياق ذاته، سبق ل”الشروق” أن وقفت على خرجات مماثلة لولاة وهم بوبخون رؤساء البلديات على المكشوف، متهمين إياهم بالتقاعس أو الوقوع تجاوزات قانونية ومالية، تخص عملية انجاز بعض المشاريع، أو انتقادهم لهم بحجة الجهل بالقوانين وغيرها من الجوانب التي يركز عليها الولاة لهزم الأميار في الاجتماعات الدورية أو خلال الزيارات الميدانية.

وزراء على خطى قيدوم بزيارات فجائية وأخرى استعراضية

وبعيدا عن علاقة الولاة بالمواطنين ورؤساء البلديات التي كثيرا ما استمت بالبرودة والصراعات الخفية والمكشوفة، فإن بعض الوزراء الحاليين أو السابقين فضلوا الاهتداء إلى الزيارات المفاجئة خلال تفقد واقع قطاعاتهم، وهذا بالسير على خطى وزير الصحة الأسبق البروفيسور يحي قيدوم المعروف بعبارته الشهيرة “راك موقف”، حيث حاول وزير الصحة السابق عبد المالك بوضيف السير على خطاه بعدة خرجات على وقع خطابات وصفت بأنها شديدة اللهجة، مثلما حدث منذ أكثر من 3 سنوات في عيادة التوليد بقسنطينة، كما سبق له أن تعامل بعبارات حادة مع عدة أطراف بسبب التحفظات المسجلة أو التأخر في إتمام أشغال عدة مشاريع على مستوى قطاعه، ما جعل كاميرات التلفزيون ترصد تصريحات ساخنة لبوضياف وهو يفقد أعصابه ويتخلى عن دبلوماسيته.

كما سارت هدى إيمان فرعون على نفس الإيقاع للوقوف على حال قطاع البريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال، حيث كثيرا ما انتقدت المسؤولين بشكل مباشر، مستغلة حضور رجال الإعلام وكاميرات التلفزيون لتمرير رسالة شديدة اللهجة على وقع التهديد والوعيد. والكلام ينطبق على خرجات لوزراء آخرين في أجواء خلفت الكثير من التفاعل لدى رواد مواقع التواصل الاجتماعي.

معارك الولاة والأميار بين تشديد اللهجة وتبرئة الذمة

في الوقت الذي بدا المتتبعون منقسمون حول هذه المسألة، معتبرين أن الزيارات المفاجئة قد لا تضفي أي جدوى في حال عدم تحلي جميع الأطراف بسلطة الضمير المهني، فقد أكد البعض ل”الشروق” بأن الكثير من الولاة والمسؤولين على مستوى السلطات المحلية والوطنية كثيرا ما يفضلون توظيف ورقة إحضار الصحافة كشاهد عيان من باب تبرئة الذمة أمام المواطن المغلوب على أمره، وهو ما يؤكد في نظرهم غياب الجدية وأسلوب الردع لمعاقبة المتقاعسين، وهو الأمر الذي كثيرا ما يحوّل مثل هذه الزيارات إلى مجرد استعراض عديم الجدوى، بدليل أن لعبة القط والفأر بين السلطات البلدية والولائية كثيرا ما كشفت العديد من المشاهد التي تم تداولها على نطاق واسع، وطرح التساؤل حول الدور الحقيقي لرؤساء البلديات في الجزائر وعلاقتهم بالسلطات الولائية، بدليل أن العديد من الأميار اشتكوا وفق وضعيات وأسباب مختلفة، فيما تعرض آخرون إلى التوبيخ والطرد من اجتماعات، كما ذهب البعض ضحية انتقادات حادة أمام الملأ. ويتساءل الكثير حول مدى إمكانية الحرص على مصلحة المواطن وتفعيل المشاريع التنموية، في ظل الحرب الباردة بين أميار يركزون على الشرعية الشعبية وولاة مدججين بالقوانين.

خرجات الولاة التلفزيونية هل هي عادة صحية أم استعراضية

وعلى ضوء هذه خرجات الوزراء والولاة المزيجة غالبا بقرارات متسرعة أو مواقف محتشمة أو تصريحات تثير الكثير، يتساءل البعض عن جدوى مثل هذه الأمور أمام مرأى الصحافة، وهل هي عادة صحية أم استعراضية، وفي هذا الجانب يقول الدكتور يوسف بن يزة من جامعة باتنة1 لـ”الشروق”: “أعتقد أن تصاعد نبرة التواصل بين المسؤول والمواطن تعبر عن اتساع الهوة وفجوة الثقة بينهما، لكنها تعبر في جانب آخر عن حدة الإشكالات المطروحة واهتمام الطرفين بحلها ما يؤدي إلى التصادم أحيانا وهذا أمر طبيعي..”، واعتبر محدثنا بأن الأمر غير العادي هو الخروج عن النص في علاقة المسؤولين فيما بينهم، إلى درجة ممارسة العنف الرمزي واللغوي علنا وأمام العدسات.. هذه الظاهرة تعطينا حسب الدكتور يوسف بن يزة مؤشرا خطيرا عن مدى تغلغل العنف بأنواعه في سلوكاتنا اليومية، في حين تتطلب أغلب المواقف حكمة وتبصرا ورزانة في كل حركات المسؤول وخاصة تصريحاته، لأنه يعد قدوة، وعليه أن يجسد المثل العليا للدولة والمجتمع من خلال الالتزام بواجب التحفظ وعدم الانتصار للذات على حساب العرف والأخلاق والقانون، من خلال ضوابط يفترض أن يكتسبها المسؤول تلقائيا عندما يجد نفسه في منصب سام ممثلا للدولة، كما يمكنه أن يكتسبها حسب محدثنا من خلال تجربته وتدرجه في السلم الإداري، ولم لا الاستعانة بالخبراء في الاتصال السياسي والعلاقات العامة لصياغة الخطابات وتوجيه التصرفات للوصول إلى الأهداف.

مقالات ذات صلة