-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حصاد العام الذي لم تحدّثنا عنه وسائل الإعلام

سلطان بركاني
  • 2682
  • 0
حصاد العام الذي لم تحدّثنا عنه وسائل الإعلام

لم تكن ليلة رأس السّنة الميلاديّة الجديدة 2016 ككلّ اللّيالي عند النّصارى، كما لم تكن ليلة عادية عند بعض المسلمين الذين تحرّروا فيها من كلّ القيود، وبارزوا في ساعاتها الواحد المعبود. استباحوا فيها كلّ الحرمات، وأنفقوا فيها الملايين والمليارات؛ سهر وسكر، وخمر وعهر، وطوامّ استمرّت إلى ساعات الفجر.

دول مسلمة رصدت ميزانيات ضخمة للاحتفال بليلة رأس السّنة الميلادية، تكفي لسدّ جوعة المسلمين في الصّومال وبورما وإفريقيا الوسطى وسوريا. خلال الأسبوع المنصرم، تداولت وسائل الإعلام صورا مروّعة لشيخ سوري مات جوعا، بعد أن تحوّل جسده المنهك إلى هيكل عظميّ يغطّيه جلد مترهّل، وختم الأسبوع ليلة الجمعة بصور للألعاب النارية التي أطلقت في سماء العاصمة الإماراتية دبيّ، احتفالا برأس السنة الميلادية الجديدة، تتعدّى قيمتها نصف مليار دولار. بذخ لم يمنعه نشوب حريق هائل في أحد الفنادق المجاورة لبرج خليفة الذي تقام عنده الاحتفالات، أدى إلى وفاة شخص وإصابة 14 آخرين حسب الإحصاءات الرّسميّة.. وأنّى للنّذر أن تؤثّر في قلوب أشربت حبّ الدّنيا، وأشربت التعلّق بالمظاهر والتطلّع إلى رضا الآخر.

خلال الأسبوع الماضي، تطوّعت وسائل الإعلام – كعادتها أواخر كلّ عام – لرصد حصاد العام 2015، واجتهدت في تسليط الأضواء على أهمّ الأحداث التي شهدها عام من أكثر أعوام القرن الجديد دموية، وكان لافتا أنّ كبريات القنوات والصحف تحدّثت بإسهاب عن الأعمال الإرهابيّة التي تنسب إلى المسلمين، ووقفت مطوّلا مع أحداث باريس، ومع الطّائرة الروسية التي سقطت في سيناء المصرية، والطّائرة الأخرى التي أسقطتها تركيا في الأراضي السّوريّة، لكنّها لم تتحدّث عن الحرب الصليبيّة التي شُنّت على المسلمين، وأصبحت دوافعها وأهدافها واضحة للعيان خلال العام المنصرم؛ حرب صليبية أعلن عنها قادة أمريكا وأوروبا وباركها قساوسة الكنيستين الكاثوليكيّة والبروتستانتية، وانضمّ إليها قيصر روسيا فلاديمير بوتين النصراني الأرثوذوكسيّ وباركتها الكنيسة الروسيّة الأرثوذوكسيّة، وسمّتها “حربا مقدّسة لحماية رعايا الصّليب”، وتقدّم القساوسة ليرشّوا “الماء المبارك” على الطّائرات الرّوسيّة التي تنطلق إلى سوريا لقصف المسلمين، ويقرؤوا التّعاويذ على الأسلحة التي تُلقى على بيوت الأبرياء والمحاصرين.

7500 طلعة جوية أمريكية غربية صبّت حممها على المسلمين في العراق وسوريا، يبدو أنّها لم تشف غليل الموتورين الذين منحوا الضّوء الأخضر لروسيا، لينفّذ طيرانها أكثر من 6 آلاف طلعة خلال ثلاثة أشهر، قطّعت وأحرقت أوصال الآلاف من المسلمين في بلاد الشّام.

وهكذا يتناوب الأمريكان وأذنابهم، والرّوس وحلفاؤهم على قتل وحرق المسلمين، يؤزّهم في ذلك اليهود الصّهاينة الذين باركوا عمليات قوات التحالف الذي تتزعّمه أمريكا، في العراق، ثمّ ولّوا وجوههم شطر الرّوس، ليشحذوا من عزائمهم لشنّ حملة صليبية موازية على المسلمين في أرض الشّام، وليعبّروا عن استعدادهم لتقديم كافّة أشكال الدّعم، فكان الاجتماع الذي عقد بين رئيس الوزراء الصهيونيّ نتنياهو وبين الرئيس الرّوسيّ بوتين أياما قليلة قبل بدء العدوان الروسيّ على سوريا، وكانت اللّقاءات المتواصلة بين القيادات العسكرية للجانبين، وبعد شهر من بدء الحملة الصليبية الروسية أعلنت إسرائيل بأنّها تسمح بمرور الطائرات الروسية في أجوائها لتقصف المسلمين في سوريا.

ليس غريبا أن يتحالف الصّهاينة والصّليبيون لإعلان الحرب على المسلمين، لكنّ الغريب أن ينضمّ إلى تحالفهم بعض المسلمين، ويفرحوا بعملياتهم التي تستهدف إخوانهم في الدّين؛ الغريب أن يضع بعض العرب أيدهم في أيدي الأمريكان جهرا، ويباركوا العمليات الروسية سرا، ويعربوا عن استعدادهم الكامل لزيادة التعاون مع القيادة الرّوسية في “مكافحة الإرهاب”.. وإذا كان بعض المسلمين العرب يفعلون هذا، فهل يحقّ لنا أن نلوم إيران التي دأبت على إيهام الأمّة بأنّها تتحرّك لخدمة قضاياها، لكنّها لم تلبث أن كشفت عن وجهها الشّعوبيّ الطّائفيّ البغيض، وهي تضع يدها في أيدي الأمريكان، الذين سمحوا لمليشياتها ومنذ بدء احتلال العراق سنة 2003 بأن تعيث فسادا في دماء المسلمين، وتمارس أبشع صور التّطهير الطّائفيّ والتّهجير المذهبيّ. أكثر من 50 مليشيا تحرّكها فتاوى المراجع الكبار في النّجف وكربلاء وقمّ بوجوب الجهاد في العراق وسوريا ضدّ “النّواصب”، ارتَكبت في العراق مجازر شاب لهولها الولدان، حيث ذبّح الأطفال، وأحرقت جثث الرّجال، وبقرت بطون النّساء، برعاية أمريكية سامية، وبعد الانسحاب الأمريكيّ تواصلت عمليات القتل والحرق والتّهجير، وازدادت حدّتها في السنتين الأخيرتين، تحت عباءة الحرب على الإرهاب، ورأى المسلمون السنّة في ديالى وجرف الصخر، وفي بيجي والرمادي، وغيرها من المدن العراقية من الأهوال ما أعاد إلى الأذهان مجاز التّتار في بغداد سنة 1258م.

وما فعلته المليشيات الإيرانية في العراق، تحت الرّعاية السامية للأمريكان، فعلت مثله في حمص والقصير ودرعا وغيرها من المدن السورية، في ظلّ صمت وتواطؤ دوليّ، توّج بغطاء روسيّ، وصمت عربيّ إسلاميّ، لم تقطعه الحقائق الصّارخة التي طفت على السّطح خلال العامين الأخيرين، من خلال الصّفقات التي أعلن عنها بين إيران وأمريكا من جهة، وبين إيران وروسيا من جهة أخرى، ومن خلال التّصريحات التي تخلّى أصحابها عن التقية في غمرة الفرح ببعض الانتصارات الزّائفة، إلى درجة جعلت مقاتلا من حزب الله اللّبناني في مارس من العام 2014م، يعلنها بكلّ صراحة من يبرود السّوريّة قائلا: “لقد دسنا على جثث السنّة، وحرقنا دينهم، وسننزل إلى آخر سنيّ في الكرة الأرضية”!، كلمات طالما سمعها العراقيون والسوريون، تشي بصفقة إيرانية روسية غربية لإعادة بعث الدّولة الصفويّة التي لا يزال الغربيون مدينين لها في وقف الفتوحات الإسلاميّة في قارّة أوروبا.

الطّيران الأمريكيّ الغربيّ يلقي حممه على أرض العراق لتسهيل مهمّة المليشيات الإيرانيّة في بلاد الرافدين، والطّيران الرّوسيّ يلقي قذائفه ويجرّب أحدث أسلحته، ليمهّد الطّريق للمليشيات الطائفية في أرض الشّام، وملالي إيران يفركون أيديهم وهم ينتظرون خروج المهديّ الغائب، ليكمل مهمّته في قتل المسلمين، وفي أخذ الثارات من المخالفين!، وليس بعيدا أن تُفجع الأمّة في السّنوات القليلة القادمة بأنّ هذه الثّارات ستستهدف أحفاد المسلمين الذين فتحوا بلاد فارس، وأنّ الانتقام سيكون لهزيمة القادسية سنة 15هـ، كيف لا والمصادر التي تحرّك الطائفيين والشّعوبيين تُشير بكلّ صراحة ووضوح إلى أنّ كسرى الفرس قد بشّر بالمهديّ المنتظر الذي سيكون من ولده!، فقد أورد المجلسي في كتابه “بحار الأنوار” نقلا عن ابن عياش في “مقتضب الأثر” بإسناده إلى النّوشجان بن البودمردان قال: لمّا جلا الفرس عن القادسية، وبلغ يزدجرد بن شهريار ما كان من رستم وإدالة العرب عليه، وظنّ أنّ رستم قد هلك والفرس جميعا، وجاء مبادر وأخبره بيوم القادسية وانجلائها عن خمسين ألف قتيل، خرج يزدجرد هاربا في أهل بيته ووقف بباب الإيوان، وقال: السّلام عليك (!) أيّها الإيوان، هاأنذا منصرف عنك، وراجع إليك أنا أو رجل من ولدي لم يدن زمانه ولا آن أوانه”. قال سليمان الديلمي (أحد رواة أخبار الشّيعة): دخلت على أبي عبد الله (جعفر الصّادق) – عليه السّلام – فسألته عن ذلك وقلت له: ما قوله: “أو رجل من ولدي”؟ فقال: “ذلك صاحبكم القائم بأمر الله -عزّ وجلّ- السّادس من ولدي؛ قد ولده يزدجرد فهو ولده” (بحار الأنوار: 51/ 163)!.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!