-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حفلات الأعراس.. إلى أين؟

سلطان بركاني
  • 6460
  • 0
حفلات الأعراس.. إلى أين؟

لعلّ المتأمّل للتطوّر الحاصل في أعراس الجزائريين، يلحظ أنّ العادات القديمة التي يحرص معها أرباب الأسر على قيم وتقاليد المجتمع، قد أضحت في عداد النّسيان، وتنكّرت لها كثير من الأسر أمام التهافت المحموم على عادات دخيلة على المجتمع الجزائريّ، هي مزيج من عادات غربية وشرقية، تلغى فيها العقول وتكشف فيها أستار الحياء، وربّما ينسى أصحابها أنّهم مسلمون، وأنّهم يفرحون بنعمة من نعم الله في إكمال نصف الدّين ووضع اللّبنة الأولى لبناء أسرة مسلمة تعيش في ظلّ مبادئ الإسلام وآدابه.

 

حفلات الأعراس أصبحت ملاهي مفتوحة على الهواء

لقد أضحت الحفلات الصّاخبة التي يحييها كثير من الأسر الجزائرية في أعراسها السّمة الأبرز لليلة الزّفاف، وصار لا يكاد يُستغنى عنها، بل ربّما ينظر إليها على أنّها ركن من أركان الزّواج التي لا يصحّ من دونها، وكأنّه أصبح لزاما على كلّ من أنعم الله عليه ويسّر له إتمام نصف دينه، أن يشكر الله في أوّل ليلة من حياته الزّوجيّة بأن يجمع أهله وأقاربه وأحبابه وجيرانه، بل وأهل مدينة بأكملها، على سماع كلمات تمجّد الخمور وتصف الخدود والشّعور وترغّب في العلاقات المحرّمة والفجور، أغانٍ سجّلت في الملاهي والمراقص والحانات، يغنّيها فنّانون معروفون بطيشهم ومغامراتهم التي أزكمت الأنوف وملأت صفحات الجرائد والمجلاّت.

أغانٍ ساقطة ترافقها موسيقى صاخبة تصمّ الآذان ويفوق صداها صدى الأذان، وتدخل البيوت من غير استئذان، لتحوّل القلوب إلى ليل، واللّيل إلى ويل؛ مرضى يتأوّهون، أطفال على فرشهم يتقلّبون، شيوخ يتأفّفون، عمّال مرهقون يحرمون الرّاحة وإرخاء الجفون، بل ومصلّون يحرمون الخشوع في صلاتهم في بيوت الله!

أغانٍ ووصلات، يتنادى إليها أرباب الخمور والمخدّرات، لتتحوّل ساحة العرس إلى ما يشبه ملهى من الملاهي أو حانة من الحانات، يتنافس فيها الرّجال على الرّقص وهزّ البطون والهامات، على مرأى من النّساء المطلاّت من الشّرفات. ويتنافس أهل الخيلاء والمراءاة على بذل الأموال لأجل سماع الزّغاريد والهتافات، في الوقت الذي يبخلون بتلك الأموال على بيوت الله وعلى المحرومين وأصحاب الحاجات.

يحدث كلّ هذا في ساحة العرس التي تغلق في وجوه المارّة، وفي طريق السيارات، ما يشكّل مخالفة صريحة تستوجب عقوبة تصل إلى حدّ السّجن لمدّة تصل 10 أيام بحسب المادة 442 من قانون العقوبات الجزائريّ. 

 

مواكب أعراس تستهوي النّاظرين وتُستعرض فيها مكبوتات العابثين

موكب العرس الذي ينقل العروس إلى بيت زوجها، أصبح بدوره ملاذا لكثير من الشّباب الطائشين والفتيات والنّساء المستهترات، للتعبير عن مكبوتات النّفوس، ولعلّ أكثر ما أصبح يميّز تلك المواكب هو خروج العروس في كامل زينتها بلباس يكشف أكثر ممّا يستر، ويجرّد كثير من النّساء من حجاباتهنّ وركوبهنّ في مواكب السيارات وهنّ في كامل زينتهنّ، لتجوب بهنّ السيارات الشّوارع والطّرقات، وهنّ يصفّقن ويردّدن الأغنيات، على مرأى من ضعاف النّفوس الذين يخرجون من المقاهي والمحلات، لاستراق النّظرات إلى أولئك النّساء الغافلات.. وسبحان الله، ربّما تجد المرأة المسلمة في الأصل محجّبة، ولكنّها تلقي حجابها إذا أرادت أن ترافق موكب العرس، وكأنّها قد أخذت عهدا من الملك المكلّف بالسيّئات ألا يكتب سيّئاتها وهي في الموكب، أو أنّها ضمنت ألا يأتيها ملك الموت وهي على تلك الحال، وكم سمعنا بأعراس تحوّلت إلى مآتم، واختلطت فيها أصبغة النّساء بدمائهنّ، على إثر حوادث قاتلة كانت نتيجة لتهوّر بعض الشّباب الذين يستعرضون مهاراتهم في قيادة السيارات أمام النّساء والفتيات، ويطلقون العنان للمسجّلات لتصدح بالأغنيات، فضلا عن انشغالهم بتصوير الموكب بالكاميرات والجوّالات.

 

ألبسة يكسف لها الحياء وتصوير يكشف الأستار

ومن العادات الغريبة التي أصبحت ملازمة لكثير من الأعراس: اختلاط النّساء بالرّجال من غير زمام ولا خطام، فيدخل الرّجال على النّساء وهنّ في كامل زينتهنّ، وتقع أعينهم على ما لا يحلّ لهم النّظر إليه، بل ربّما تلبس بعض النّساء من اللّباس ما يكسف له الحياء، وما يظهر أجزاء من أجسادهنّ لا يحلّ لهنّ إبداؤها أمام النّساء فضلا عن الرّجال، تقع أعين الرّجال على تلك الصّور وتتحرّك الألسن في المجامع بعد ذلك بوصف لباس ابنة فلان وتسريحة زوجة فلان وزينة أخت فلان، وهكذا.. بل الطّامّة الأعظم من هذه أن يدخل بعض من فقدوا مروءتهم من الرّجال إلى جناح النّساء لغرض التّصوير، يدخل أحدهم ويصوّر النّساء وهنّ يغنّين ويرقصن ويزغردن، وينتقل الفلم من يد إلى يد، وربّما يشاهده كلّ من هبّ ودبّ، بل قد سمعنا بشباب يجتمعون على مشاهدة الأفلام التي صوّرت في الأعراس، ويتمادى بهم الأمر إلى المقارنة بين النّساء والتغزّل بزينتهنّ، بل وسمعنا بأفلام نشرت على الإنترنت، لتصبح تلك المقاطع صيدا ثمينا لأصحاب النّفوس المريضة والمتربّصة، ولتصبح تلك الصّور سيّئات جارية لأولئك النّسوة الغافلات اللاتي سمحن بتصويرهنّ في العرس، فضلا عن تسبّب تلك الصّور وتلك المقاطع في خراب كثير من البيوت وتشرّد كثير من الأسر.

 

عندما بكى الأنصار حتى أخضلوا لحاهم

لما أصاب رسول الله الغنائم يوم حنين، وقسم للمتألفين من قريش وسائر العرب ما قسم، ولم يكن في الأنصار شيء منها، قليل ولا كثير، وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى قال قائلهم: لقى – والله – رسول الله قومه. فمشى سعد بن عبادة إلى رسول الله فقال: يا رسول الله إن هذا الحي من الأنصار وجدوا عليك في أنفسهم؟ قال: فيم؟ قال: فيما كان من قسمك هذه الغنائم في قومك وفي سائر العرب، ولم يكن فيهم من ذلك شيء. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأين أنت من ذلك يا سعد؟ قال: ما أنا إلا امرؤ من قومي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجمع لي قومك في هذه الحظيرة فإذا اجتمعوا فأعلمني، فخرج سعد فصرخ فيهم فجمعهم في تلك الحظيرة. حتى إذا لم يبق من الأنصار أحد إلا اجتمع له أتاه، فقال: يا رسول الله اجتمع لك هذا الحي من الأنصار حيث أمرتني أن أجمعهم. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام فيهم خطيبا فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: يا معشر الأنصار ألم آتكم ضُلالا فهداكم الله، وعالة فأغناكم الله، وأعداء فألف الله بين قلوبكم؟ قالوا: بلى! قال رسول الله: ألا تجيبون يا معشر الأنصار؟ قالوا: وما نقول يا رسول الله وبماذا نجيبك؟ المنّ لله ورسوله. قال: والله لو شئتم لقلتم فصدقتم وصدقتم: جئتنا طريدا فآويناك، وعائلا فواسيناك، وخائفا فأمناك، ومخذولا فنصرناك. فقالوا: المنّ لله ورسوله. فقال: أوجدتم في نفوسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما أسلموا، ووكلتكم إلى ما قسم الله لكم من الإسلام! أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس إلى رحالهم بالشاء والبعير وتذهبون برسول الله إلى رحالكم؟ فوالذي نفسي بيده، لو أن الناس سلكوا شعبا وسلكت الأنصار شعبا، لسلكت شعب الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار. اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار. فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم. وقالوا: رضينا بالله ربا، ورسوله قسما، ثم انصرف، وتفرقوا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!