الرأي

حقوق الإنسان في الثقافة العربية

أنس الأعرابة
  • 167
  • 0
أرشيف

كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة  بداية لجدل كبير  في  العالم العربي و الإسلامي حول مدى تقاطع أو تطابق مبادئ هدا الإعلان مع خصوصيات الدين الإسلامي و الثقافة العربية، و قد وصلت المغالاة أحيانا إلى الحد الذي اعتبر فيه البعض أن حركة  حقوق الإنسان و جميع قوانينها و مواثيقها مرفوضة لأنها  خارجة عن تعاليم الدين الإسلامي، و غايتها تدمير العرب و المسلمين ، في  حين اعتبر  البعض الأخر  الثقافة العربية الإسلامية  مكون من مكونات حركة حقوق الإنسان بل إنها ساهمت عبر مساراتها التاريخية في تبلور مفهوم هذه الحقوق، إذن  كيف ساهم العرب و المسلمون في  هذا المجال؟

 إن حركة حقوق الإنسان صيرورة دائمة البناء و التطور فهي ليست فكرة نظر لها من طرف منظرين أو مفكرين أو رجال سياسية و قانون، في لحظة زمنية معينة بل جاءت نتيجة تطور تاريخي بعيد المدى تفاعلت فيه كل  الشعوب و  تراثها الإنساني و الحضاري و من هذا المنطلق كان للعرب و المسلمين مساهمات تاريخية مهمة، في مسيرة بناء حقوق الإنسان.

فغالبا ما يتم إقران التراكم التاريخي لنضال الشعوب من أجل حقوق الإنسان ب”المانغا كارتا” و وثيقة  إعلان الاستقلال الأمريكي و إعلان حقوق الإنسان للثورة الفرنسية … و يتم إغفال  التراث العربي الإسلامي في مجال حقوق الإنسان.[1]

و لأن المجال لا يسمح بذكر كل مساهمات العرب و المسلمين في تطور حركة حقوق الإنسان سأقتصر على صحيفة المدينة و كيف يمكن اعتبارها وثيقة دستورية رسخت مفهوم المواطنة.

لقد حدد دستور المدينة ” الصحيفة ” بشكل دقيق الفئات التي تتكون منها الدولة من يهود و مسلمين ومسيحيين ومشركين، و نص على حقوقهم وواجباتهم بوصفهم مواطنين يكوّنون على اختلاف معتقداتهم أمة سياسية واحدة، كما حددت الصحيفة مكانة و وضعية السلطة في الدولة من أجل تنظيم أمور الشعب و نصت كذلك على واجب المساواة بين جميع الفئات و الطبقات المشتركة في الدولة مع ضرورة الدفاع عن حدود هذه الدولة و التكافل داخل كل فئة من هذه الفئات و الحفاظ على حقوق حرية الممارسات الدينية [2]

كما تجدر الإشارة أن هذه الوثيقة الدستورية المكتوبة التي كانت من أول انجازات النبيﷺ في المدينة لدى المطالعين عليها من فقهاء و علماء القانون الدستوري، تعد دستورا لا مثيل له لأنها حاولت دمج فئات المجتمع غير المتجانسة تحت غطاء المواطنة، فكل مواد الوثيقة تم التصويت عليها و كل مادة متفق عليها تشكل حكما من أحكام الوثيقة.و كل مادة تكون موضع خلاف بين الأطراف تترك لهده الأطراف. أي أن الفقرات المجمع عليها تدخل في ساحة المعاهدة و في حيز التطبيق العملي و الفقرات المختلف عليها تدخل في مجال الحرية الفردية        ( أو الحكم الذاتي)،و هذا هو الإخلاف الثري داخل الوحدة [3] و بالتالي فإن صحيفة المدينة كانت  جامعة في أحكامها كل  الفئات العقائدية المكونة للمجتمع أنداك و لم تستثن أي أقليات أخرى و بذلك فقد وضعت الأسس  الإنسانية و القانونية  للدولة الإسلامية الناشئة  [4]

استنادا إلى ما سبق ذكره يمكن القول أن العرب و المسلمين، كانت لهم إسهامات جادة في مجال حقوق الإنسان فالتجارب العربية  تظل إحدى المرتكزات الهامة و اللبنات الأساسية  في مسارات تطور المفاهيم المرتبطة بحقوق الإنسان و على رأسها المواطنة وقد رأينا كيف أن صحيفة المدينة أسست لهدا المفهوم عبر صياغة قوانين ترسخ لمبادئ  التعايش السلمي و المساواة و العدل و الحرية.

مراجع البحث:

 _  الغنوشي، راشد (2012) .الحريات العامة في الدولة الإسلامية،ط1،القاهرة، مطبعة دار الشروق.

_ فائق ،محمد(2004). حقوق الإنسان بين الخصوصية و العالمية، ضمن كتاب حقوق الإنسان العربي،ط2،بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية.

_ بولاج، علي(2006). وثيقة المدينة المنورة وثيقة السلام في مجتمع متعدد الثقافات والأديان ،مجلة حراء ،العدد 3 السنة الأولى.

 محمد فائق، حقوق الإنسان بين الخصوصية و العالمية، ضمن كتاب حقوق الإنسان العربي، مركز دراسات الوحدة العربية،ط2،بيروت،2004[1]

ص،206

[2]   راشد الغنوشي، الحريات العامة في الدولة الإسلامية،جزأن،دار الشروق،ط1،القاهرة،2012،الجزء الأول،ص،146

[3]  علي بولاج، وثيقة المدينة المنورة وثيقة السلام في مجتمع متعدد الثقافات والأديان,مجلة حراء، العدد 3 السنة الأولى أبريل-يونيو 2006

[4]  راشد الغنوشي، مرجع سابق…ص 147

مقالات ذات صلة