-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حق الملح صبيحة العيد.. تكريم للمرأة أم تكليف للرجل؟

ليلى حفيظ
  • 1794
  • 0
حق الملح صبيحة العيد.. تكريم للمرأة أم تكليف للرجل؟
بريشة: فاتح بارة

يزخر موروثنا الثقافي غير المادي بالكثير من العادات الاجتماعية الجميلة، التي تُصارع لأجل البقاء. مثلما هي الحال مع عادة حق الملح، التي تنتشر بعدة مناطق جزائرية، حيث يقوم الزوج بتقديم هدية لزوجته صبيحة يوم عيد الفطر، إقرارا منه بالجهد الذي بذلته لإطعام عائلتها، واعترافا بتقديره وشكره لها. وفي الوقت الذي تحرص الكثير من النساء على نيل هذا الحق وغرسه كعادة في عقلية زوجها وطريقة تعامله معها، يتجه هذه التقليد الجميل نحو الزوال والاندثار، بفعل الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة التي باتت تعيشها الأسر الجزائرية. فما المقصود بحق الملح؟ وما هو أصله؟

حق تذوق الملح وتمتين للعشرة

حق الملح، عادة اجتماعية ضاربة في عبق وعمق تاريخنا منذ قرون زمان. وتتمثل طقوسها، كما توضح الأستاذة رياش فايزة، باحثة في مجال التراث ومتخصصة في علم الآثار: “في قيام الزوجة صبيحة يوم عيد الفطر بالتزين وترتيب المنزل وإعداد صينية القهوة والحلويات التقليدية لزوجها، الذي تستقبله بها بعد عودته من صلاة العيد. وبعد أن يشرب فنجان الحليب أو القهوة، يضع فيه خاتما من ذهب أو فضة لزوجته أو أمه كمكافأة أو كجزاء لها جرّاء قيامها طيلة شهر رمضان بتذوق ملح الطعام الذي تتعب في إعداده للإفطار. ومن هنا، جاءت تسمية حق الملح. في حين هناك من يربط أصل تسمية هذه العادة بملح العشرة الجامعة بين الزوجين.”

عادة جزائرية أم عثمانية؟

لقد تباينت الآراء حول أصل حق الملح.. ففي الوقت الذي يرى فيه البعض بأنها عادة عثمانية أو أندلسية انتشرت بين الجزائريين في العهد العثماني، فإن رئيسة الجمعية الوطنية “تراث وجزائرنا”، الأستاذة فايزة رياش، لا تؤيد ذلك الطرح، وتؤكد أن هذه العادة: “غير موجودة في منطقة الأندلس (إسبانيا والبرتغال حاليا) ولا في مناطق التواجد العثماني الأخرى، وإنما هي منتشرة بصفة أخص في تونس وفي مدن الشرق الجزائري. ونفس هذه العادة تُمارس حين قيام الابن أو البنت بالصيام لأول مرة، فيوضع لهما في كأس الحليب الذي يكسران به صيامهما، خاتم للصبي ولويزة للفتاة.”

رجال يُطالبون بحق الشقاء

ورغم دلالاتها الجميلة وتبعاتها النبيلة، إلا أن الكثير من الجزائريين لا يُرحبون بإحياء هذه العادة الأصيلة، ويتمنون زوالها باعتبارها موروثا حضاريا قاصما لظهر الرجل. فمن المخبول الذي يقوم في ظل هذا الغلاء الفاحش بشراء خاتم ذهب أو لويزة لزوجته في نهاية رمضان، ليُكافئها فقط على أعمال تدخل في الأصل ضمن إطار واجباتها المفروضة عليها كزوجة وأُم.. يقول فؤاد، 45 سنة، الذي يُطالب في المُقابل بأن يتم تكريم الزوج بحق الشقاء نظير تعبه وسعيه المُضني لتوفير قوت زوجته وعياله.

والحقيقة، أن الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة، وتدني القدرة الشرائية للجزائريين، صارت تفعل مفعولها وتلعب دورها في اندثار عادة حق الملح وانحصارها شيئا فشيئا، أو على الأقل، في تحوُّر طقوسها وتغيُّرها، إذ صار ربّ العائلة يجود على زوجته بالموجود، في ظل الارتفاع الجنوني لأسعار الذهب. فهناك من يهديها زجاجة عطر، أو كسوة عيد، أو حتى علبة مكياج.

عادة تقرب بين الزوجين

ولأنها عادة تعبر عن أصالة الشعب الجزائري، تقول مديرة مركز الفنون والثقافة بقصر رياس البحر، الأستاذة فايزة رياش، فإنه: “وجب الحفاظ عليها، لكونها تُقرّب بين الزوج وزوجته وبين الابن وأمه. فحق الملح ليس تكليفا للرجل، ولا يُفترض أن يكون خاتما من ذهب أو شيئا باهظ الثمن. وإنما هدية بسيطة مع كلمة طيبة قد تكفي وتفي بالغرض، وهو زيادة التقارب والود العائلي، ورد الجميل للزوجة التي تشقى وتتعب من منتصف شهر شعبان في تحضيرات رمضان. فمن تنظيف المطبخ والمنزل إلى إعداد البهارات، الفريك، المقطفة أو المقرطفة إلخ. وخلاصة الكلام، حق الملح رمز من رموز العشرة والملح الذي بين الزوجين، ودلالة على أصالة الرجل الجزائري الذي يُقدّر تعب وجهد المرأة لإسعاده”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!