الجزائر
"الشروق" تلتقي حراقة جزائريين في مرسيليا:

حلمنا بجنة أوروبا فصدمنا بجحيم لا يطاق!

رضا ملاح
  • 12560
  • 15
الأرشيف

“لن ننسى ساعات الموت التي مرت علينا كسنوات في عرض البحر.. ننصح الشباب ألا يحاولوا خوض تجربة الهجرة غير الشرعية عبر القوارب”، هي شهادات حراقة جزائريين وصلوا مدينة مرسيليا حديثا، بعد أن نجوا رفقة 11 آخرين من الموت المحقق بالقرب من السواحل الايطالية.
بالجنوب الفرنسي وبالتحديد بمدينة مرسيليا الساحلية، ونحن نبحث عن مغتربين جزائريين مقيمين بطريقة غير شرعية لتجاذب أطراف الحديث معهم حول طريق وصولهم للضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط بحثا عن رغد العيش والمستقبل الزاهر، التقينا في قلب المدينة وبالضبط بالنهج الوطني”boulevard national” ، بكريم وصديقه سليم، يتجاوز سنهما 27 سنة، حديثي الإقامة بمدينة مرسيليا، تقاسما معا مصير الموت غرقا في عرض البحر، والموت جوعا في مدن بلد الشيكولاطة وساعات اليد سويسرا، قادمين إليها من جزيرة سردينا الإيطالية بعد أن قضيا شهرا كاملا وراء القضبان بايطاليا .
الشابان اللذان قابلتهما “الشروق” لم يبديا أي تردد في سرد قصة هجرتهما غير الشرعية إلى ايطاليا، حيث لم تكن هذه الأخيرة محطة نهاية السفر، فبعد مرور ثلاثة أشهر تمكنا من بلوغ مقصدهما، كما تم التخطيط له، بأحد الأحياء الشعبية وسط العاصمة.

التحضير لرحلة الموت

“ثلاثة أشهر مرت علينا وكأننا قضينا العمر كله، الله وحده يعلم حجم المعاناة قبل وبعد وصولنا إلى ايطاليا، ومن ثم دخولنا سويسرا التي لم نجد فيها ما نأكل لغلاء الأسعار والرفاهية التي يعيش فيها الناس هناك”، فهنا بمرسيليا يقول كريم على الأقل نجد ما نأكله وما نسدد به مصاريف الإيجار الشهرية”، ليواصل سليم: “صحيح بلغنا ما خططنا له.. لكن لم نقدر حجم المعاناة التي سنواجهها، كان يبدو لنا الأمر أكثر سهولة بمجرد بلوغنا جزيرة سردينا، لكن الأمور تسير عكس ما كنا نحلم به”.
ووسط شارع يعج بحركة السيارات والمارة، دعونا أصدقاءنا لنرتشف فنجان قهوة وشرب كوب عصير، فاشترطا علينا أن تكون الدعوة على حسابهما فلم نرفض لهما الطلب رغم أننا نقضنا الاتفاق عند نهاية “القعدة”، وبمجرد أن جلسنا في مقهى جزائري يمتلكه سبعيني مغترب عمي “مقران” حتى بدأنا في طرح الأسئلة واحدا تلو الآخر.
قصة هجرة هذين الشابين بدأت بالتحضير للعملية، ففكرة “الحرقة” نحو أوروبا في قارب الموت لاستحالة الحصول على تأشيرة بالطرق القانونية المعروفة، ترسخت في ذهنهما من قبل أصدقاء هاجروا بنفس الطريقة، يقول سليم: “لما يحدثك بعض الحراقة عن نمط معيشتهم بأوروبا لا يصورون لك إلا تلك الأشياء الجميلة، فيبدو لك أن الأمر يحتاج لمجرد مخاطرة صغيرة يجب خوضها للظفر بالحياة التي يعيشها هؤلاء”، فمن يعيشون لا يتحدثون عن حجم المعاناة اليومية التي يصدمون بها من أول يوم تطأ أقدمهم الأراضي الأوروبية وتستمر لأشهر وسنوات وقد لا تنتهي، فليس كل من يهاجر ينجح أن يعيش تلك الحياة التي يخطط لها في الجزائر .
وبشأن أولى الاتصالات التي ربطها الشابان “سليم” و”كريم”، أن أول اتصال قاما به للقيام بعملية “حراقة” كان مع مغتربين جزائريين يعيشون في الجنوب الإيطالي، وبعد عدة أسابيع من التواصل معهم تم توجيههم لأشخاص آخرين بإحدى الولايات الشرقية، يقول محدثانا كان الاتصال الأول عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهنا بديا مترددين في سرد التفاصيل عن كيفية الوصول لهؤلاء الأشخاص والتفاوض معهم حول السعر وغيرها من الأمور الأخرى الواجب ضبطها قبل الرحلة، ليؤكد “سليم” أن بعد حوالي ثلاثة أشهر تم الاتفاق على موعد ومكان انطلاق رحلة الموت، عشية الجمعة من شهر أفريل من سواحل شواطئ القالة.

أقلعنا في ثلاثة قوارب.. واحد من القالة واثنين من عنابة

يقول الشابان أنهما وصلا إلى مدينة القالة أسبوعا قبل موعد الانطلاق، على اعتبار أن هذا الأخير يتحدد بعد التأكد من حالة المناخ وحالة البحر وكذا تفادي دورات حراس الحدود، حيث يستغرق الوصول إلى جزيرة سردينا انطلاقا من سواحل القالة بقارب ذي محركات جيدة وأمواج هادئة من 14 إلى 15 ساعة .
ويذكر “كريم” لم نكن نعرف الأشخاص العشرة الآخرين الذين ركبوا معنا القارب إلا بعد وصولنا للنقطة المتفق عليها، حيث ضمت المجموعة 12 شخصا أغلبهم ينحدر من الولايات الشرقية، سكيكدة، عنابة، ميلة، “بدأنا بتحية بعضنا البعض وكأننا نتعارف منذ وقت طويل، وبعد الانتظار حوالي ثلاث ساعات كاملة بالشاطئ قرر “قائد” القارب بعد تلقيه مكالمة هاتفية لا نعلم محتواها، الإبحار وهنا دقت لحظة الحقيقة ..ترى جليا سمات الخوف والذعر على وجوه الشباب.. لكن القادم لا يوصف .
أصدقاؤنا الحراقة أصروا على عدم الحديث عن تفاصيل الاتصال بأعضاء شبكة تنظيم رحلات الهجرة غير الشرعية وعن المبلغ الذي دفعوه، ليواصلوا سرد قصة ابتعادهم عن اليابسة واصطدامهم بأمواج البحر العاتية، فكما قال “سليم”، “جرت الرياح عكس ما كنا نشتهي، فبعد أقل من ساعتين من الإبحار بدأنا بمواجهة الموت ولا يفهم ما أقوله إلا من عاش تجربة مماثلة”، هناك من أجهش بالبكاء وهناك من أصابه الذعر إلى درجة لم يقو حتى على فتح عينيه، ليواصل “تخيل قاربا بحجم ذرة في عرض البحر تتلاعب به الأمواج في ليل حالك وظلام البحر، في تلك اللحظات تذكرت الكثير من الأشياء منذ طفولتي، ذهني لم يقو على مفارقة صورة أمي وأبي وأفراد عائلتي.. تشعر وأن حياتك لم يبق منها إلا لحظات”.

“تذكرت محطات من طفولتي ووجه أمي لم يفارق مخيلتي”

“لا أود تذكر تلك اللحظات التي ما تزال تطاردني في أحلامي إلى يومنا هذا، لا نعلم كيف ومتى اقتربنا من جزيرة سردينا بعد 16 ساعة كاملة من مصارعة الموت في عرض البحر، ما أتذكره أنه فجأة داهمتنا قوارب حراس السواحل الايطالية الذين اقتادونا إلى جزيرة سردينا وبعد مكوثنا ثلاثة أيام في مركز لتجميع “الحراقة” تم اقتيادنا لأحد السجون، هذا الأخيرة مكثنا فيه شهرا كاملا، لنعود مرة أخرى إلى المركز لنتمكن من الفرار رفقة مهاجرين أفارقة من عدة جنسيات” .
وواصل محدثونا “لن نتمكن من الاستمرار طويلا بإيطاليا، ونجحنا بمساعدة وتوجيهات من مغتربين جزائريين بدخول الأراضي السويسرية، أين عشنا الأمرين، لا عمل لا مال ولا..، فالقليل من المال الذي كنا نتدبره لم يكن يكفي حتى لشراء قارورة عصير نظرا لغلاء المعيشة، وبعد حوالي 25 يوما من المعاناة وجدنا الطريق لدخول الأراضي الفرنسية والوصول إلى مرسيليا”.

تراجع ملحوظ في عدد المهاجرين غير الشرعيين

ومازال حلم الحراقة يأسر قلوب آلاف الشباب، رغم تسجيل مصالح حرس السواحل تراجعا ملحوظا في عدد المهاجرين غير الشرعيين عبر السواحل الجزائرية، خلال الستة الأشهر الأولى من عام 2018، استناد إلى إحصائيات قيادة حرس السواحل، حيث خلال 06 أشهر تم إحباط محاولات هجرة غير شرعية لـ460 مهاجرا، ومقارنة مع الستة الأشهر الأولى للسنة الماضية التي تم إحباط 616 مهاجرا غير شرعي، يعني انخفاض 156 حراق.
ومن المعلوم، في سنة 2017 تم تسجيل رقم قياسي جديد عن أزيد من 3109 حراق جزائري حاولوا الهجرة غير الشرعية، من بينهم مائة وستة وثمانين (186) نساء وثمانمائة وأربعين (840) قصر، حاولوا هجرة الجزائر عبر السواحل إلى الضفة الأخرى من البحر المتوسط مما أصبحت هذه الظاهرة التي تؤرق الحكومة من خلال رفع عدد الزوارق التي تستعمل في ملاحقة قوارب الموت لـ“الحراڤة” في عرض البحر .
والجدير بالذكر، في بداية جانفي 2018 تمكنت وحدات المجموعة الإقليمية للدرك الوطني في عنابة، من اكتشاف ورشة سرية لصناعة القوارب الخشبية وسط غابة سيدي عكاشة الكثيفة والبعيدة في بلدية شطايبي، كانت تستعملها عصابات تهريب البشر .

مقالات ذات صلة