الرأي

حماية الشباب من الاضطراب…

عبد الرزاق قسوم
  • 1753
  • 7

توشك النعم العديدة، التي حبا الله بها بلادنا، وفي مقدمتها نعمة الشباب، توشك هذه النعم أن تتحول إلى نقم، وإلى حجة علينا، بل وإلى قنابل موقوتة، قد تنفجر ذات يوم -لا قدر الله- في وجوه الجميع.

فقد حبانا الله من النعم الظاهرة والمستترة، المادية والمعنوية، ما تنوء بتحمل تبعاته، العصبة أولو القوة، وما يجب أن يضعفنا تحت طائلة حكم الله في قوله: “رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ” (سورة القصص/ الآية 17).

إن من نعم الله على الجزائر، أن خصها بخصوبة جناتها، وعذوبة مائها، وطيب هوائها، وفحولة أبنائها، وعفة نسائها، مما يجعلها تباهي به أمم الأرض جميعا. كما أن ثمار متيجة، وكنوز حاسي مسعود، وما بين ذلك من نخيل باسقات، وجبال راسيات، وأنهار دافقات، ليجعل الجزائر وكأنها هي التي عناها أمير الشعراء أحمد شوقي حين قال:

ما جنة الخلد إلا في دياركم            ولولا تُخيِّرتُ، هذى، كنت أختار

ولعل أبرز النعم كلها، في الجزائر، هي نعمة الإنسان، وأخص النعم الإنسانية نعمة الشباب، هذه الطاقة الطافحة بالجمال، والقوة، والفتوة، التي تميز الشعب الجزائري في كل منحى من مناحي جغرافيته، وتاريخه، وفي تتبع أفذاد أصوله وشماريخه.

غير أن قوة الشباب، الدافقة هذه، عمها الإهمال، وغشيها الضلال، فهي تعاني الويلات، والوبال، والنكال، فجنة الجزائر اليوم تكمن في شبابها، الذي غصت به الشوارع والطرقات، وضاقت به أمواج البحار، وموانئ المطارات، وتكدست به زنازين السجون وقاعات المعتقلات والمحتشدات.

فما تنشره أعمدة الصحف كل يوم، وما تبثه القنوات من عدوانية على الذات، وسطو على المنازل والمحلات، وإقدام على الانتحار وشتى المغامرات، ليجعل كل جزائري شريف وعفيف يخجل من نفسه، ومن ضميره. كما يهز وعيه سؤال عسير وخطير، هو الذي ظللنا نسمعه ويصم أذاننا بصوت المغنية الجزائرية المغفور لها إن شاء الله،نورةوهي تناجي ربها على لسان الجزائر:

يا ربي سيدي      واش عملت أنا باوليدي

ربيته بيدي       واداتو بنت الرومية

إن الفاحص المدقق، والمتأمل المعمق لواقع شبابنا الجزائري، ليدرك هو فاجعة منظومتنا التربوية، وأبعاد مأساة تنظيماتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في مجال الشباب.

فلن يستقر لنا بال، ولن يهدأ لنا ضمير، طالما ظل سرب من الشباب يتسكع في المقاهي، والملاهي، وأمام العمارات والمحطات، يتصيد العاجزين للسطو عليهم، والمغفلين للإيقاع بهم، والمارة من الفتيان والفتيات، لمعاكستهم والتنغيص عليهم.

إنها  حقاالظاهرة الخطيرة والشاذة التي تنفجر في وجوه الجزائريين كل من موقع مسؤوليته، لتسائله: ماذا فعلت، وكان بإمكانك أن تفعل للمساهمة في حل أزمة الشباب؟ لماذا أحجمت وبيدك مفاتيح الأموال والأعمال، فبذرت المال، وأفسدت الأعمال، وألقيت بالشباب إلى هذا الدرك الأسفل من الوبال؟

أبعد كل هذا، يمكن أن نتساءل في غباء، لماذا يقدم شبابنا على اللصوصية، والانتحار وركوب أهوال البحار؟ ولماذا تظلم الدنيا في أعين أبنائنا فيقبلون على كل أنواع الاضطراب، وكل ألوان العنف والإرهاب؟

ألم يكن بالإمكان التكفل بقضاياهم في مهدها، ببناء مدارس التكوين لتوجيههم، ومصانع التمهين لتشغيلهم، ومعاهد التعليم لإصلاحهم وتقويمهم؟

إن المسجد، والمعهد، والمنظمات والجامعات، والأسر والمؤسسات، كلها مسؤولة بانعزالها وانشغالها عما آل إليه أمر الشباب من قنوط وإحباط، وما يعانيه من عنف وإجرام، وتخلاط“.

فبداية زوال النعم عنا، بدءا بزوال نعمة البترول، وغلاء المال الثابت والمنقول، لهو درس النقمة التي يجب أن توقظنا من حلمنا الطويل، وتخرجنا من وهمنا الثقيل، وتفتح أعيننا على واقع الشباب كرمز، لما تعانيه الأمة من أزمات الفساد، والظلم، والتقتيل.

آن الأوان، إذن، أن نعود إلى الذات، بعد أن لبثنا عقودا طويلة من الزمن نعيش الانسلاب، والاغتراب، بدءا بالاضطراب إلى أنواع الإرهاب، الذي أدى إليه الغلو، والتطرف، وزيف الانتماء والانسلاب.

إننا مسؤولون جميعا، عن كل طفل يقتل زميله، ولو في ساحات اللعب المدرسي، ومحاسبون عن وجود أي شباب في الشارع دون تعلم، وعمل، فهو مشروع مؤجل التنفيذ لداعش أو غيرها من منظمات الحرام والفواحش.

 

فإذا أردتم حقاحماية الشباب من الاضطراب، فأعيدوا النظر في منظومتكم، وسياسة حكومتكم، وآفاق هيكلتكم ودستوركم. إن التاريخ صحائف، فسجلوا فيه جميل ذكركم، وأفضل ما فيكم وفي عصارة فكركم وعلمكم.

مقالات ذات صلة