-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حمى.. الكراسي!

الشروق أونلاين
  • 2503
  • 0
حمى.. الكراسي!

ابراهيم‮ ‬قارعلي : ibrahimkarali@ech-chorouk.com

لم يعد المشهد السياسي يتحرك في الجزائر إلا إذا حانت المواعيد الانتخابية، وكأن الأحزاب السياسية التي يفترض فيها أن تحرك الساحة الوطنية لم تتأسس إلا من أجل المشاركة في هذه المواعيد الانتخابية، وبالتالي تنتقل من المعارضة إلى السلطة ليتربع أعضاؤها على الكراسي طيلة‮ ‬سنوات‮ ‬العهدة‮ ‬الانتخابية‮.‬تكون الانتخابات النصفية لتجديد أعضاء مجلس الأمة قد جعلت الأحزاب السياسية تفيق من سباتها العميق بعد ما كانت تغط في شخيرها السياسي المقرف. فلقد أصيب كبار الناخبين في المجالس الشعبية المحلية، البلدية والولائية بالحمى المالطية!

صحيح أن الانتخابات تهم بالدرجة الأولي المواطنين أو الناخبين قبل المناضلين أو المسؤولين في الأحزاب السياسية، باعتبار أن المواطنين هم أصحاب الإرادة الشعبية التي يمارسها ممثلوهم بالنيابة عنهم في المؤسسات الشعبية المنتخبة، سواء تعلق الأمر بالمرشحين للانتخابات المحلية‮ ‬أو‮ ‬المرشحين‮ ‬للإنتخابات‮ ‬التشريعية‮.‬

وللأسف، أن الانتخابات النصفية لإحدى غرفتي الهيئة البرلمانية وإن كانت لا تعني المواطنين بصفة مباشرة، باعتبار أن الناخبين المحليين هم الذين يحق لهم التصويت والترشح في انتخابات مجلس الأمة، فإن مثل هذه الانتخابات الجزئية تكشف مدى الهشاشة التي أصبحت عليها الأحزاب‮ ‬السياسية‮.‬

لم يعد يهم حزب التجمع الوطني الديمقراطي غير الحفاظ على الأغلبية البرلمانية داخل مجلس الأمة، مثلما لم يعد يهم حزب جبهة التحرير الوطني غير استرجاع هذه الأغلبية البرلمانية باعتبار أنها تمتلك أغلبية المقاعد الانتخابية في المجالس البلدية والولائية، في حين لم يعد‮ ‬يشغل‮ ‬حركة‮ ‬مجتمع‮ ‬السلم‮ ‬غير‮ ‬الحفاظ‮ ‬على‮ ‬الحد‮ ‬الأدنى‮ ‬الذي‮ ‬يضمن‮ ‬لها‮ ‬بقاء‮ ‬كتلتها‮ ‬البرلمانية‮ ‬في‮ ‬مجلس‮ ‬الأمة‮.‬

مثل هذا الصراع السياسي أو التطاحن الحزبي، لم تعد مشاهده المسرحية تغري المواطنين بالمتابعة ولا حتى المناضلين في الأحزاب السياسية، لأن المواطن الذي أثقلته مأساته اليومية مع لقمة العيش يدرك جيدا أن الذين يغازلونه من أجل صوته الانتخابي لن يلتفتوا إليه إلا بعد نهاية‮ ‬العهدة‮ ‬الانتخابية‮.‬

يفترض في المنتخبين المحليين أنهم الأقرب إلى المواطنين، خاصة عندما يتصل الأمر بالانتخابات البلدية، باعتبار أن البلدية تمثل همزة الوصل بين المواطن والدولة، وباعتبار أيضا أن البلدية هي أقرب نقطة إلى المواطن. غير أن المتابعات القضائية ضد المنتخبين المحليين بسبب‮ ‬اختلاسات‮ ‬الأموال‮ ‬العمومية‮ ‬سرعان‮ ‬ما‮ ‬تخل‮ ‬بمصداقية‮ ‬الهيئة‮ ‬البرلمانية‮ ‬التي‮ ‬تتشكل‮ ‬تركيبتها‮ ‬البشرية‮ ‬من‮ ‬المنتخبين‮ ‬المحليين‮.‬

وهل‮ ‬يجب‮ ‬التذكير،‮ ‬أن‮ ‬الأحزاب‮ ‬التي‮ ‬تخوض‮ ‬غمار‮ ‬هذه‮ ‬الانتخابات‮ ‬النصفية‮ ‬مازالت‮ ‬تتخبط‮ ‬في‮ ‬أزمات‮ ‬داخلية‮ ‬قاتلة،‮ ‬وفي‮ ‬كل‮ ‬مرة‮ ‬تدخل‮ ‬المعركة‮ ‬الانتخابية‮ ‬منهوكة‮ ‬القوى‮.‬

عندما‮ ‬يُضيّق‮ ‬الخناق‮ ‬على‮ ‬المجال‮ ‬السياسي‮ ‬وتنحصر‮ ‬اللعبة‮ ‬الانتخابية‮ ‬في‮ ‬اللاعبين‮ ‬المرغوب‮ ‬فيهم‮ ‬فقط‮ ‬والذين‮ ‬يحسنون‮ ‬تقديم‮ ‬القرابين،‮ ‬من‮ ‬الطبيعي‮ ‬أن‮ ‬يتحوّل‮ ‬هؤلاء‮ ‬اللاعبون‮ ‬إلى‭ ‬مجرّد‮ ‬بيادق‮ ‬فوق‮ ‬رقعة‮ ‬الشطرنج‮.‬

وبالتالي، فإن ممثل الشعب الذي يدخل القبة البرلمانية وهو مسلوب الإرادة سرعان ما يتأكد أن السلطة التشريعية ليست سوى وظيفة مثل بقية الوظائف الحكومية. ولذلك لا يتفاجأ المواطنون وهم يرون أن الوزراء أقوى من النواب الذين يمتلكون مُلتمس الرقابة. وأية رقابة يمارسها‮ ‬النواب‮ ‬في‮ ‬الغرفتين‮ ‬وهم‮ ‬لا‮ ‬يحيدون‮ ‬عن‮ ‬التصديق‮ ‬على‮ ‬الأوامر‮ ‬الرئاسية،‮ ‬ومن‮ ‬أين‮ ‬لهم‮ ‬أن‮ ‬يرفضوا‮ ‬التشريع‮ ‬بمراسيم‮ ‬وهم‮ ‬لا‮ ‬يبادرون‮ ‬إلى‮ ‬اقتراح‮ ‬المشاريع‮ ‬القانونية‮!!‬

عندما‮ ‬انتخب‮ ‬البشير‮ ‬بومعزة‮ ‬لرئاسة‮ ‬مجلس‮ ‬الأمة‮ ‬أول‮ ‬مرة،‮ ‬قام‮ ‬يخطب‮ ‬أمام‮ ‬أعضائه‮ ‬وقال‮: ‬أتمنى‮ ‬أن‮ ‬يكون‮ ‬مجلسكم‮ ‬معبدا‮ ‬للديمقراطية‮ ‬وليس‮ ‬للمتقاعدين‮.. ‬وتلك‮ ‬هي‮ ‬دار‮ ‬لقمان‮.‬

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!