-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حيرة الدول بين الصراع الأمني والتعاون التكنولوجي

حيرة الدول بين الصراع الأمني والتعاون التكنولوجي

تَزيدُ أوروبا من تحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة في المجال الأمني، وتَخشى من هيمنة عمالقة التكنولوجيا لديها، بل تُحاربهم. وتزيد الولايات المتحدة الأمريكية من تحالفاتها الاستراتيجية ضد الصين وتخشى القطيعة معها في الجانب التكنولوجي، كيف سيكون مصير هذه المفارقة؟ وأي انعكاس لها على أمننا القومي وسعيِنا للتطوير الاقتصادي؟

في الوقت الذي يزداد التعاون العسكري الأوروبي الأمريكي يوما بعد يوم إثر الحرب في أوكرانيا، تُعلِن اللجنة الأوروبية منذ يومين الحرب على العملاق الأمريكي “غوغل” مُتَّهِمة إياه بممارسات غير محترِمَة لقواعد التنافس الاقتصادي ومُهدِّدَة بتفكيك هيمنته على أوروبا تدريجيا. وفي الوقت الذي يُعلِن فيه الأمريكيون أن التهديد الاستراتيجي الأول لهم في العالم اليوم هو الصين، يزور عمالقة التكنولوجيا الأمريكيون الواحد تلو الآخر جمهورية الصين الشعبية ويلتقون تباعا قياداتِها أو حتى رئيسَها “شي جي بينغ”.. لقد استقبل الرئيس الصيني الجمعة الماضية “بيل غيتس” في أول زيارة له منذ 2019، وقبلها زار “تيم كوك” المديرُ العام لشركة “أبل” الامريكية الصين، كما زارها “إيلون ماسك” وصرّح عقب زيارته في ماي الماضي أن “مصالح الولايات المتحدة والصين مترابطة بشكل وثيق”، وقبل أيام قليلة أعلنت شركة “ميكرون” الأمريكية لصناعة الرقائق الإلكترونية أنها ستستثمر 600 مليون دولار في مصنعها في شمال غرب الصين، رغم حظر بكين قبل أقل من شهر استخدام رقائق هذه الشركة في البنية التحتية الصينية لأسباب أمنية.

وإذا كنا نستطيع إيجاد تفسير للعلاقات الصينية الأمريكية المتصارعة في الجانب الأمني والمتعاونة في الجانب الاقتصادي من زاوية البراغماتية في السياسية، فإن هذا التفسير يأخذ معنى آخر في العلاقات الأمريكية الأوربية باعتبار وحدة الحلف ووحدة المنظور الحضاري. ما الذي يحدث إذن وكيف سينعكس على حالنا؟

يبدو أن الخوف من عمالقة التكنولوجيا الأمريكية أو ما يُعرَف بالـGAFAM (اختصارا للحروف الأولى لكل من غوغل، وأبل، وفيسبوك، وأمازون، وميكروسوفت) أصبح مشتركا بين كافة دول العالم، وإذا كانت القِوى الكبرى الشرقية مثل الصين وروسيا قد اعتمدت بدائل لمقاومة هذه المجموعات العملاقة في إطار الوصول إلى التحكُّم في جميع أدوات الصراع، فإنَّ القارة العجوز تعيش اليوم مأزق حماية اقتصادها وأمنها وديمقراطيتها، وأخطر ما في ذلك أن الصراع يجري داخل المنظومة التي تعتبرها واحدة (المنظومة الغربية الديمقراطية الليبرالية).

كتبت جريدة “الأصداء” Les Echos الفرنسية في عددها ليوم الخميس الماضي بالبنط العريض في صفحتها الأولى: “أوروبا تهاجم القوة الكبيرة لغوغل”، وفي صفحتها الداخلية كتبت “الإشهار الالكتروني: بروكسل مستعدة لاستخدام السلاح النووي ضد غوغل”… بما يعني أن هناك حربا مستعرة الآن بين الأوروبيين والأمريكيين في هذا المجال، في تعارض شبه تام مع التعاون العسكري والأمني المُعلَن على أرض الواقع في أوكرانيا ضد روسيا.

تؤكد هذه المسألة المتعلقة بالثنائية في الخيارات الاستراتيجية والاقتصادية، صعوبة تبني استراتيجية شاملة في هذين المجالين حتى بالنسبة للدول الكبرى مثل ألمانيا التي بالكاد أعلنت ذلك في الأسبوع الماضي وبتحفظات عديدة. لذلك ليس من الحكمة الآن بالنسبة للدول النامية أو الضعيفة اقتصاديا الميل كل الميل إلى أيِّ جهة كانت. قد نكون في الأخير ضحايا تفاهمات تأتي بعد سنوات من الآن.. مَن يدري.. الحذر مطلوب.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!