حينما يتطاول الصِّغار على المسجد الأعظم
كم كنَّا مخطئين حينما اعتقدنا أن انطلاق الأشغال في المسجد الأعظم سيُسكِت إلى الأبد كل الأصوات الناعقة التي طالما تعالت، مُحاوِلة إجهاضَ المشروع قبل أن يبدأ، بل منذ أن كان مجرد فكرة طرحها الرئيس بوتفليقة في عام 2005، فهاهي تعود مجددا إلى الطعن في المشروع الذي يسير بخطى وئيدة، وتزعم أن المسجد معرّضٌ للانهيار إذا وقع زلزال متوسط، أو على الأقل انهيار مئذنته الشامخة التي سيصل علوّها إلى أربعين ومائتيْ متر.
ما نعلمه، هو أن القائمين على المشروع لم يغفلوا هذا الخطر، فاستعانوا بالنظام الياباني المضادّ للزلازل الأكثر حداثة في العالم لامتصاص قوة أي زلزال خارجي بقوة 9 درجات وتحجيمه إلى 3 درجات فقط، في أساس المسجد، و”الباقي على الله” كما يقول الجزائريون.
لذلك نقول إن الأمر لا يتعلق بتربةٍ هشّة كما يزعم هؤلاء الذين نصّبوا أنفسهم “خبراء”، ولا بعاملٍ جيولوجي آخر، بل يتعلّق بخلفيةٍ إيديولوجية تغريبية ترتدي زورا ثوب العلم لتضليل الناس.
لقد حزّ في نفوس هؤلاء التغريبيين من “خبراء” مزعومين، وسياسيين وجرائد ناطقة بالفرنسية، أن يكون للجزائر قطبٌ ديني حضاري يشعّ بنوره على البلاد قوامُه مسجدٌ عملاق يتّسع لـ120 ألف مصل، فشنوا عليه حربا ضارية منذ 11 سنة، وكلما رأوا بناياتِ المسجد ترتفع، كلما زادهم ذلك سخطا وغيضا فأطلقوا حمم قذائفهم الحاقدة على المسجد..
بالأمس قالوا إن المسجد سيستهلك 4 ملايير دولار، وهذا المبلغ الكبير ينبغي أن يُوجّه إلى بناء المدارس والمستشفيات والمساكن والطرق… وغيرها من المشاريع، وهي كلمة حق أريد بها باطل؛ فإذا كانت كل هذه المشاريع ضرورية للمواطن، فقد أنفقت عليها الدولة أزيد من 800 مليار دولار في 16 سنة، لكن هؤلاء “الخبراء” المزعومين، لم ينتقدوا إنفاق هذه المبالغ الضخمة على مشاريع قليلة، وقد كان بإمكانها أن تبني إفريقيا كلها كما فعل مشروع مارشال مع أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وانتقدوا فقط إنفاق الفتات منها على بناء مسجدٍ كبير يعبّر عن هوية الجزائر المسلمة.
عندما احتلّت فرنسا الجزائر، لم تكتفِ بتحويل مساجد كثيرة إلى كنائس، بل حرصت على بناء كنيسة “السيدة الإفريقية” فوق هضبة عالية بباب الوادي حتى تكون من أوّل البنايات التي يراها زائرو الجزائر من مسافات بعيدة في البحر المتوسط، وهي بذلك كانت تريدها تعبيرا عن “هوية” الجزائر الجديدة التي انسلخت عن الإسلام واعتنقت المسيحية، كما كانت تخطط.
أما اليوم، فإنَّ المسجد الأعظم الذي يُبنى في “المحمدية”؛ أي في المنطقة التي كانت تُسمّى “لافيجري” نِسبة إلى كبير الأساقفة الذين قادوا حملة تنصير الجزائر، سيكون أعظمَ ما يُرى من مسافاتٍ بعيدة في البحر ليعبّر عن هوية الجزائر المسلمة، وليس كنيسة “السيدة الأفريقية”، وهذا ما يجعل الفرنكوش يتميّزون غيضا، ولا يعارضون انتشار المخامر والملاهي وشتى أوكار الفساد التي تفتك بمجتمعنا، بل يعارضون فقط بناء المسجد الأعظم ويسعون في خرابه. قد بدتِ البغضاءُ من أفواههم وما تُخفي صدورُهم أكبر.