خدعتونا!..
وزير التجارة خاطب الموّالين بالمختصر المفيد: “خدعتونا”، ردّا أو تعليقا على أسعار اللحوم الحمراء، التي تصعد ولا تريد أن تنزل، والحال أن مصطلح “خدعونا” أصبح يسري ليس على الجزارين فقط، أو بعضهم، ولكن على الخضارين وتجار المواد الغذائية والملابس والأحذية، وغيرهم، فكلّ فئة تستغل الظرف وتركب المناسبة، لإشعال النار في الأسعار، والمضاربة وافتعال الندرة، من أجل “تقنين” سرقة المستهلكين!
نعم، يجب أخلقة النشاط التجاري في بلادنا، فمنذ سنوات طويلة، أو منذ “عام البو”، كلما عاد رمضان وعيدا الفطر والأضحى، لا حديث للحكومات والمواطنين وتجار الجملة والتجزئة، إلا على الأسعار والوفرة والندرة والتزاحم والمضاربة، والاتهامات بين أسواق الجملة والتجزئة، في وقت كانت مجتمعات أخرى للأسف، بما فيها الغربية، تعمل بنظام تخفيض الأسعار عندما يحلّ رمضان والأعياد، رغم أنها لا تصوم ولا تصلي!
فعلا، نحن بحاجة إلى أخلقة التجارة، وأخلقة التجار، وأخلقة الأسواق، وأخلقة الاستهلاك، وأخلقة الأخلاق، حتى نخرج نهائيا وإلى الأبد من هذه الحلقة المفرغة والعقليات غير الأخلاقية، التي تجعل من الطمع والجشع مرادفين لقانون العرض والطلب، الذي أصبح عند البزناسية والمضاربين حقّا يراد به باطل، ومبررا لإدخال الأيدي إلى جيوب الضحايا!
“خدعونا” و”خدعونا” وسيخدعوننا اليوم وغدا، ما لم يلعب المواطن كذلك دوره في الرقابة والتبليغ والمقاطعة، ويتوقف منطق اختلاق الطوابير التي تتسبّب في ندرة السلع وبعدها المضاربة في الأسعار وحتى الغشّ والتدليس وتسويق سلع فاسدة ومنتهية الصلاحية، تحت غطاء “كوّر ومدّ لّعور”!
الكرة في مرمى المواطنين، لوقف الجشع بتوقيف اللهفة، وإنهاء السرقة بتوقيف “اللهيف” والتبذير ورمي نصف المقتنيات في المزابل، أكرمكم الله، والحقيقة أننا كلنا مسؤول عما يحدث لجيوبنا على أيدي لوبيات وبارونات تأكل السّحت ولا تجد حرجا في ضرب القدرة الشرائية ولا تستحي من نسف معيشة المعوزين والفقراء و”المزلوطين” في الليل والنهار!
واقع الأسواق والتجارة في كلّ دول العالم، تحكمه ضوابط ومقاييس معروفة، لكن عندنا تجار عديمو الذمّة يريدون التحكّم في أرزاق وأعناق الناس، ولهذا تبقى الأسعار فوضوية وعمليات التموين عشوائية، وهو ما كشفته أيضا أزمة كورونا، حيث كشف الوباء هؤلاء المضاربين الذين ضاربوا في السميد والفرينة وحاولوا يائسين “رهج” المرعوبين بسلع فاسدة!
البقّال والخضار والجزار والموّال، وغيرهم، الذين لا يفكرون إلاّ بجيوبهم وأرصدتهم، لا يُمكنهم أبدا أن يرحموا مستهلكين لا حول ولا قوّة لهم، وبالتالي فإنه لا عجب ولا استعجاب في خداعهم ومخادعتهم، والحقيقة أنهم يخدعون أنفسهم من حيث لا يدرون، لكنهم لا يعلمون!