الرأي

خطاب الكراهية و”زئبق” الاحتقان!

محمد حمادي
  • 1132
  • 6

مع كلّ حراك اجتماعي بمطالب مشروعة تشهده منطقة ما في الوطن، تركب الأصوات الشاذة الموجة لتفرز جوقة غير متناسقة في عزفها، تنفخ في رماد الفتنة المقيتة، لتؤجج خطاب الكراهية، الذي أضحى يتغذّى من صحون الجهوية والعنصرية، التي أصبحت أكثر خطرا على تماسك أبناء البلد الواحد؛ فالجميع يرمي الجميع بالجهل والتخلف الحضاري، والجميع يرى نفسه عرّاب الرقي الإنساني، لأنّ الجميع مختلف عن الجميع في المطالبة بحقوقه ولا يرى من الزاوية ذاتها التي يرى منها غيره، فتحوّل الاختلاف إلى صراع تنبعث منه حمم الكراهية!
“الظاهرة الورقلية” في مقاطعة حفلات الغناء كأسلوب راق للمطالبة بتحسين الإطار المعيشي، ها هي تمتد إلى عدد من ولايات الوطن، زارعة بذور الوعي لدى ساكنه هذا الوطن، الذين لا يريدون من المسؤولين سوى الكفّ عن هدر المال العام وتحويله إلى مشاريع تأتي بالنّفع على الجميع. لكن ما المشكل في هذا الطرح؟ ولماذا أضحى معتنقوه يرمون بالجهل والظلامية والتعصّب من طرف من يرون أنفسهم حداثيين وتنويريين؟
كيف يسمع هؤلاء المغلوب على أمرهم آهاتهم إلى المسؤولين وكل أبواب الحوار موصدة؟ أليست مقاطعة حفل غنائي ضربا من ضروب الاحتجاج السلمي على تردي الأوضاع؟ ما المانع أن ننتقد ونبدي آراءنا دون إهانة أو إساءة أو شتم أو تجريح في حق الأشخاص الذين نختلف معهم؟ لماذا نصرّ على إيقاظ الفتنة ونستدعي أدوات تأجيجها في كلّ مرّة؟ ألا يكفي ما حصدناه من مآسٍ طيلة عشرية كاملة من الدم والدمار والخراب؟ أم إننا أصبنا بفقدان الذاكرة؟
للأسف، أصبحنا نحن معشر الجزائريين، نتناقش بغلّ ونختلف بحقد، ففشلنا في كبح جماح الكراهية، وأصبحنا من ضحايا خطابها المهين، لقد أبدعنا في نحت مصطلحات الاحتقار والازدراء لبعضنا البعض، فرفعنا زئبق الاحتقان والتشنج وقضينا على أشكال التقارب بين أبناء البلد الواحد.
في الرياضة، في الفن كما في السياسة وسائر المجالات الأخرى، لا يزال خطاب الكراهية هو السيّد، لم نعد نتجادل بالأفكار والحجج والبراهين، صرنا أقرب إلى لغة السب والشتم والعنف الجسدي، كي نصل إلى مرادنا؛ لأنّنا ببساطة لم ننشأ اجتماعيا في أسرنا ومدارسنا ومساجدنا ومحيطنا، على نمط حضاري في التفكير اسمه “الرأي والرّأي الآخر”، لم نتعوّد على العيش معا في كنف الاختلاف، الذي لا يفسد للودّ قضية.
حتّى النخب “المزيفة” التي تمارس الوصاية على شؤون العامة وترى في نفسها الوحيدة التي تمتلك الحقيقة المطلقة، عليها هي أيضا أن تفك نفسها من هذه النزعة النرجسية، المتلونة بعقدة التعالي، لكون التكنولوجيا الرّقمية فجرت أطر الزمن والمكان، وأنتجت فاعلا ميديائيا يسبح في الشبكة العنكبوتية ويؤثر ويتأثر بكل ما تموج به الساحة الوطنية من أحداث وقضايا تشكل الصّالح العام، فيتفاعل معها ويشارك في إثراء النقاش حولها.
هذه النخب التي تدعي امتلاك أدوات التحاليل، وتتمتع بملكة فكرية تمكنها من القراءة بين سطور الأحداث واستشراف الأوضاع في هذا البلد، عليها أن تراجع آلياتها في نقد الواقع الجزائري، بأن تستخدم خطابا منفتحا غير إقصائي يتيح للجميع التعبير عن آرائه بكل حريّة في كنف الاحترام دون تجريح أو سبّ أو شتم أو رمي بنعوت الجهل والظلامية والتعصّب.

مقالات ذات صلة