-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
تحقيقات في قطاع النقل بوهران تعري المستور

خطوط تم بيعها أو مؤجرة لأشباح.. و”المراقبة التقنية” تحت المجهر

خيرة غانو
  • 1397
  • 0
خطوط تم بيعها أو مؤجرة لأشباح.. و”المراقبة التقنية” تحت المجهر
أرشيف

لا يختلف اثنان على أن فوضى النقل، وتلك التي تصنعها الحافلات “الخردة” على وجه التحديد في ولاية وهران، من ورائهما “مافيا” مسعورة تعمّر في القطاع وتحكم قبضتها عليه أكثر من العادي، وكذلك ما عاد سرا ولا عجبا أن نجد من بين النشطاء الخواص مسبوقون قضائيا، وأشخاصا غرباء لا علاقة لهم إطلاقا بالمهنة سوى تحصيل ثمن التذاكر، إن وجدت، وتحقيق أكثر الإيرادات داخل محاشر بشرية متنقلة من صنعهم، لكن عمليات تفتيش جادة وغير مألوفة تجري حاليا لتطهير النشاط، تفضح ما هو أكبر من مجرد ناقلين تطاردهم مخالفاتهم المرورية كل يوم تقريبا، وهي التي باتت تكشف في أولى نتائجها، ومن يوم لآخر، عن مفاجآت ربما لم يسمع عنها الكثيرون من قبل، والأفدح أنها تؤكد على أن القطاع غارق إلى القاع في وحل الفاسدين والمفسدين.
مسؤولون ومسيّرو هيئات تقنية، إلى جانب مهنيين في قطاع النقل بوهران ومتسللين إليه، جميعهم حاليا تحت مجهر جهات تفتيش ورقابة تابعة لمديرية النقل لولاية وهران بالتنسيق مع المصالح الأمنية، وهذا في مهمة مفتوحة الأمد وغير مسبوقة، انطلقت من تاريخ جانفي 2024 ولا تزال مستمرة إلى الآن، بهدف تشريح واقع ما يجري من ممارسات على خطوط النقل الحضري بوهران، وأيضا النقل ما بين البلديات وبين الولايات، ومنه العمل على ضوء نتائجها على تطهير القطاع من السماسرة والطفيليين وكل من يثبت له ضلع أو ذيل في الفساد المعشش فيه، بحسب ما كشفت عنه مديرية النقل لولاية وهران لـ”الشروق”.
وطبقا لمعطيات أولية مستقاة من ذات المصدر حول نتائج عمل هذه اللجنة، فإن اللافت فيها ضبط خروقات أسست لفوضى النقل قبل سنوات، لجعل القطاع حكرا على غير أهله، وهذا بتواطؤ من مسيّرين وموظفين سابقين فيه، ومن ذلك اكتشاف، ومن أولى الخرجات التفتيشية، سيطرة شبه كاملة على الخطوط الحضرية، لاسيما الكبرى منها، من أشخاص يستمدون شرعيتهم عن طريق التحايل، عن طريق إبرام عقود كراء أو بيع من الباطن لاعتمادات النشاط على الخطوط مع ناقلين على الورق، وفي مقابل ذلك قيامهم بتسجيل حافلاتهم على أسماء هؤلاء حتى يحبك التحايل على وجهه الأكمل الذي يلبسه ثوب الشرعية أمام القانون، فيما يبقى كل طرف محميا من أي محاولة محتملة لسلبه حقوقه من الجانب الآخر بعقود موثقة لا يعرف حقيقتها سواهما.

باعوا المنشفة بدل رميها وفروا إلى الخارج
كما سجل عند التحقيق في مصير أصحاب الرخص الحقيقيين، ممن تصرفوا في اعتمادات النشاط المقيدة بأسمائهم بمعاملات تجارية، تم أغلبها بصيغة الإيجار سرا للغير، أن منهم من ارتحل إلى الخارج بعد أن باع المنشفة وقبض ثمنها بدلا من رميها، حيث اتضح عدم وجود أثر لهؤلاء على أرض الوطن كله وليس فقط على الساحة، فيما تحول آخرون للنشاط أو الاستثمار في مجالات أخرى، على غرار الفلاحة وتجارة السلع وغيرهما، ما يشير إلى أن جل من يمارس النقل الحضري فعليا في وهران حاليا هم دخلاء تسنى لهم اقتحام نشاط نقل المسافرين وفتح شيفرة كلمة المرور للولوج إليه بالمال، وهو نفسه المال الوسخ الذي يجر حاليا أطرافا كانت لها سطوتها داخل القطاع إلى أروقة العدالة على إثر فضائح صنعتها تعاملاتها المشبوهة مع أشباه نشطاء في النقل، بحسب مصادر أخرى مؤكدة لـ”الشروق”.
وفي هذا السياق، تشير الأرقام الأولية فقط لعملية جرد مستغلي الخطوط الحضرية التي تباشر حاليا على الميدان، إلى تجاوز عدد الناقلين المتطفلين بكثير ذاك الخاص بغيرهم من النشطاء الشرعيين، ومن ذلك إحصاء 29 ناقلا قانونيا على خط (B) في مقابل 109 غير شرعي، ونفس المعطى بالنسبة لخط (51)، وكذلك سجل لحد الآن 21 متعاملا على خط (11) يمارس نشاطه فعليا باسم صاحب الاعتماد، بينما 58 آخر ينشط برخص غيره، والقائمة مفتوحة على المزيد من المخالفين والمتحايلين على القانون.
فيما أوضحت مديرية القطاع أن غياب الناقلين الحقيقيين، أو بالأحرى اختفاؤهم غير المصرح به لدى مصالحها مدعاة للشبهة، وهو أيضا أحد أبرز العوامل التي تنشر الفوضى داخل القطاع وتغذيها إلى حد التخمة في وهران، مضيفة في هذا الشأن أن النصوص القانونية الخاصة بالاعتمادات الممنوحة للناقلين تنص صراحة على أن هذا النوع من الرخص غير قابل للتنازل، ولا محل عرض للكراء بأي شكل من الأشكال، مشيرة إلى أن كافة المتعاملين على علم وإحاطة تامة بالثقافة القانونية التي لها علاقة بنشاطهم هذا، لكنهم يتعمدون ارتكاب المخالفات لدواع ربحية غير مشروعة، مؤكدة في المقابل على أنه فور استكمال التحقيق في هذا الأمر، سيحال كافة المخالفين على اللجنة الولائية للعقوبات، أين تنتظرهم، وفق طبيعة وحجم كل مخالفة، إجراءات ردع تتراوح بين إلغاء الاعتمادات ووضع الحافلات في المحشر لفترات متباينة.
عامل آخر يدلي بدلوه في مضاعفة معاناة المواطن مع فوضى النقل والانهيار المتزايد في نوعية خدماته بعاصمة غرب البلاد، وهو يتعلق بحال حظيرة حافلات نقل المسافرين المتهالكة على الخطوط الحضرية، حيث باتت كلها تقريبا أصلح للتقاعد والوضع في مكبات “الخردة” منه إلى النشاط، ذلك أن عمرها يتجاوز العشرين سنة، ومنها ما وضعت للسير في سنة 1999 وقد استنفدت عمرها الافتراضي، لكنها رغم ذلك لا تزال قيد الاستغلال، وعادة ما يضطر أصحابها لتفريغها من الركاب، وتوجيههم للصعود في حافلة أخرى بداعي العطل، وهي الظاهرة التي باتت تتكرر مرارا على كبرى الخطوط الحضرية بوهران، وترهق معها المسافرين، لاسيما كبار السن والمرضى.

مركبات متهالكة تجتاز المراقبة التقنية بسلام
في هذا الإطار، علمنا من مديرية النقل دائما ما هو أخطر من واقع الحظيرة المهترئة، حيث أوضحت من خلال خرجات مفتشيها الميدانية رفقة المصالح الأمنية، رصد حالات لحافلات نقل مسافرين لا تزور وكالات المراقبة التقنية للسيارات في الموعد المحدّد للفحص الدوري المقدّر بمرة واحدة خلال كل ثلاثة أشهر، فيما ضبطت حافلات أخرى تعاني من اختلالات ميكانيكية مختلفة، ورغم ذلك، منحت لأصحابها بطاقة المراقبة التقنية قبل إخضاعها للتصليح.
وتبعا لذلك، تحدث المصدر عن عقد اجتماع تنسيقي على مستوى مصالح مديرية النقل مع وكالات المراقبة التقنية للسيارات، مؤخرا، جاء فيه توجيه تعليمات صارمة بمنعها من تسليم بطاقات “السكانير” للناقلين إلا بعد التأكّد من إخضاع حافلاتهم للصيانة ورفع كافة التحفظات المسجلة على شاشات أجهزة الفحص، مع تحذير مسيّريها من مغبة الوقوع تحت طائل إجراءات الردع القانونية في حال مخالفة التعليمات، مثلما أشار محدثنا في ذات السياق إلى تحرير الجهات المختصة محاضر مخالفات في حق الناقلين المتخلفين عن إخضاع حافلاتهم للمراقبة التقنية الدورية، مع إعطائهم مهلة لإصلاحها قبل وضعها للسير وقيد الخدمة.

“بزنسة” في الشهادات!
خروقات أخرى تقف عليها المديرية على مستوى مراكز تكوين سائقين لمنح شهادة الكفاءة المهنية لنقل الأشخاص، حيث سجلت حالات “بزنسة” في بيع الدبلومات، من خلال تسليم “زبائنها” الشهادات المطلوبة بدون أن تخضعهم لتكوينات على مستواها، أو تعاملهم فعلا كمترشحين تلقنهم مهارات قيادة حافلات نقل المسافرين وتعلمهم أخلاقيات المهنة، الوضع الذي يفسّر لوحده ما يصدر في الكثير من حافلات الخواص أثناء الخدمة من تصرفات غير لائقة، أين يشعل السائق سيجارته، ويزكم بدخانها أنف الزبون الجالس خلفه، وآخر لا حرج لديه في لبس نعل، وبرفقته قابض يسب زميله في حافلة أخرى “خطفت” منه كمشة نقود أو فازت عليه في “رالي” حافلات النقل الحضري رغم سرعته الجنونية، إلى غير ذلك من السلوكيات الدخيلة على القطاع وغير الحضارية التي قرف منها المواطن إلى أبعد من درجة الاستياء، وكل أمله أن تهذب يوما، ليعاد النقل إلى أهله من المهنيين الحقيقيين من ذوي الكفاءة واللباقة وحسن السيرة.
من جهة أخرى، كشفت مديرية النقل لولاية وهران عن تسجيل عملية مركزية على مستوى وزارة القطاع خاصة بمخطط النقل لولاية وهران، وهو المشروع الذي طال أمده، ويعول بالإفراج عليه الكثير في حل كل مشاكل النقل التي تعرفها الخطوط الحضرية بالولاية، مشيرة إلى أن هذه العملية هي حاليا في طور الإجراءات، إلى جانب إعلانها عن فتح عدة خطوط جديدة وتدعيمها لأخرى لفك العزلة وتخفيف الأزمة عن سكان المناطق المكتظة وتلك التي تعاني من تبعات التوسّع العمراني، لاسيما على مستوى الأقطاب الحضرية، على غرار (T) الذي يربط مدينة وهران بالقطب العمراني وادي تليلات، خط (83) الرابط بين القطب الحضري زبانة ووسط مدينة وهران، خطي (90 و91) بين بن فريحة والمرشد، تزويد خط كريشتل – بلقايد بحافلات المؤسسة العمومية “إيطو”، مع تمديد خط (37) بين حي الروشي ووسط المدينة، في انتظار انطلاق تلقي الطلبات لاستغلال خطي (31) و(41).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!