-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

خطيئة لا يغفرها المسلمون لبنديكت السادس عشر

محمد بوالروايح
  • 6961
  • 0
خطيئة لا يغفرها المسلمون لبنديكت السادس عشر

نعى الفاتيكان البابا بيندكت السادس عشر الذي خلف البابا يوحنا بولس الثاني على رأس الكنيسة الكاثوليكية. وبيندكت رجلُ دين أكثر تشددا من سلفه يوحنا بولس الثاني وعالم لاهوت مبرز ومستنير، جعل من أولوياته القضاء على الخصومة التاريخية بين الكنيسة والعقل فهو القائل: “إن الله ليس شيئا غير منطقي يتعارض مع العقل”.

من الظلم والتلفيق المنظم اتهام نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم بنشر عقيدته بحد السيف، وهي تهمة تنطلي على العكس من ذلك وبحذافيرها على المسيحية، فقد ورد في إنجيل متى: “لا تظنوا أني جئت لألقي سلاما على الأرض، ما جئت لألقي سلاما بل سيفا، فإني جئت لأفرِّق الإنسان ضد أبيه والابنة ضد أمها والكنة ضد حماتها”، واتخذها قادتُها وسيلة لنشر المسيحية في العالم.

رغم أن البابا بيندكت السادس عشر -الذي ينحدر من مدينة بفاريا الألمانية- ومارتن لوثر يجمعهما المشترك الجغرافي، إلا أنهما كانا على طرفي نقيض في نظرتها إلى الكنيسة وإلى الإصلاح وإلى المرأة وإلى المسكونية؛ فبينما كان مارتن لوثر إصلاحيا حتى النخاع، كان بيندكت محافظا متشددا، وهذا ما سبَّب له مشاكل مع التيار الإصلاحي حتى من داخل ألمانيا التي احتفى مواطنوها باعتلائه الكرسي البابوي، كما عبر كثير منهم فيما بعد عن خيبة أملهم بعد خطاباته البابوية غير المطمئنة التي تغذي –حسبهم- التيار المتشدد الذي لا يصلح لقيادة الكنيسة في ظل المستجدات والتحديات المعاصرة، وقد دفعت الاحتجاجات المتكررة بيندكت السادس عشر إلى تبني مشروع الإصلاح إلا أنه سرعان ما عاد راديكاليا أكثر مما كان.

ليس القصد من هذا المقال الحديث عن حياة البابا بيندكت السادس عشر وعن الفترة التي قضاها على رأس الفاتيكان، وإنما القصد منه تذكير المسلمين بالخطيئة التي ارتكبها في حق الإسلام بوصفه “دينا منافيا للعقل” وفي حق نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم حينما ادّعى أن التطرف الإسلامي الذي يشهده العالم هو نتاج التعاليم التي جاء بها نبي الإسلام الذي اتخذ من الجهاد –حسب زعمه- وسيلة لإفناء الآخر وإكراهه على اعتناق الإسلام. ومن المفيد أن أذكّر المسلمين بالمحاضرة التي ألقاها البابا بيندكت في جامعة بون بألمانيا في سبتمبر 2006 تحت عنوان: “العقل والإيمان في التقاليد المسيحية والحاضر المسيحي”، والتي تضمنت مغالطات كثيرة عن الإسلام، واتهامات كبيرة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد استوحى البابا موضوع هذه المحاضرة  -كما يقول-من حوار ربما جرى عام 1391م في الثكنات العسكرية الشتوية على مقربة من أنقرة، بين الإمبراطور البيزنطي العالم مانويل الثاني باليولوغوس، ومثقف فارسي مسلم في موضوع المسيحية والإسلام، والحقيقة المتضمنة في كل منهما. يقول البابا بيندكت السادس عشر على لسان الإمبراطور المسيحي مخاطبا العالم المسلم: “أرني ما هو الجديد الذي أتى به محمد، وسوف تجد أشياء كلها شريرة وغير إنسانية، من مثل أمره بنشر الدين بالسيف”. ويواصل البابا قوله: “يمضي الإمبراطور شارحا بالتفصيل الأسباب التي تجعل من نشر الإيمان بالعنف تصرُّفا غير عقلاني، لا يتفق العنف مع الطبيعة الإلهية، ولا مع طبيعة الروح: لا يحبُّ الله سفك الدم، والتصرف غير العقلاني مناقض لطبيعة الله، فالإيمان يبزغ من الروح وليس من الجسد، ومن أجل إقناع روح عاقلة، لا يحتاج المرء إلى ذراع قوية، ولا إلى سلاح من أي نوع، كما لا يحتاج إلى تهديد أي شخص بالموت”.

إن عقدة الباباوات الذين تعاقبوا على الكنيسة البابوية تكمن بالدرجة الأولى في عدم تحرُّرهم من عقدة التفوُّق وأخذهم تاريخ الإسلام من المصادر المغشوشة والمدسوسة التي تقلّب الحقائق رأسا على عقب وتحوِّل دعاة السلام إلى قادة إجرام. هذه هي العقدة المشتركة التي يستوي فيها بابوات روما مع إقرارنا بوجود خلاف طفيف بينهم في ذلك عملا بمقولة: “إن بعض الشر أهون من بعض”. لقد قلت آنفا إن البابا بيندكت السادس عشر عالم لاهوت متميز، ولكن كثيرا ممن هم على شاكلته تدفعهم في أغلب الأحيان الحمية الدينية إلى إنكار الحقيقة، فمن الغريب أن يتهم البابا بيندكت السادس عشر الإسلام بـ”منافاة العقل ومناقضة طبيعة الله” وهو يعلم بأن العقل مصطلحٌ مفقود في الكتاب المقدس وبأن من الحقائق المؤكدة المستوحاة من تاريخ الكنيسة أن هذه الأخيرة ظلت من بداية تأسيسها إلى عصر متأخر على خصام مع العقل بل أصدرت أوامر كنسية بالتنكيل بكل من يخالف هذا التوجه الكنسي ورميه بالهرطقة والخروج عن التعاليم المسيحية، ولا داعي في هذا المقام لسرد الجرائم التي ارتكبها القادة المسيحيون في حق العلماء ودعاة الرأي لأنها من الحقائق المعلومة.

من الأبجديات التي بدأنا بها مشوارنا في دراسة الأديان أنه لا يمكن إثبات عقائد المسيحية إثباتا عقليا؛ فعقيدة التثليث وكون الأقانيم الثلاثة قد اتحدت في أقنوم واحد عقيدةٌ لا يقبلها المنطق الرياضي ولا العقل الإنساني وهي باطلة من كل الوجوه ويلفها غموض لجأ إليه بعض اللاهوتيين من أجل التعمية والتغطية وتسويق العقيدة على أكوام من الضبابية والتأويلات الفضفاضة، وما يقال عن عقيدة التثليث يقال أيضا عن العقائد المسيحية الأخرى، ومن أراد التعمق في هذا الموضوع فعليه الرجوع إلى كتاب “الإسلام والنصرانية بين العلم والمدنية” للشيخ محمد عبده، ففيه تفصيلٌ وافي.

من الظلم والتلفيق المنظم اتهام نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم بنشر عقيدته بحد السيف، وهي تهمة تنطلي على العكس من ذلك وبحذافيرها على المسيحية، وقد ورد في إنجيل متى: “لا تظنوا أني جئت لألقي سلاما على الأرض، ما جئت لألقي سلاما بل سيفا، فإني جئت لأفرِّق الإنسان ضد أبيه والابنة ضد أمها والكنة ضد حماتها”، واتخذها قادتُها وسيلة لنشر المسيحية في العالم، هذه هي الحقيقة ولا قيمة للتفسيرات التي قدّمها بعض اللاهوتيين بأن مراد المسيح من هذه العبارة هو جعل الولاء للعقيدة أعلى من الولاء للعشيرة وإفهام أتباعه أن أوامر الرب واجبة النفاذ وأن تركها -وقوعا تحت تأثير العاطفة- سلوكٌ مناقض لروح العقيدة، فالحروب التي قادها المسيحيون الصليبيون لم يكن لها إلا تفسير واحد وهو أن ديانة الصليب هي الأجدر بالبقاء والأصلح للبشر وما عداها عقائد باطلة تستوجب الإلغاء ويستوجب أتباعها التقتيل والتنكيل، وعلى هذا الدرب سارت جحافل المسيحيين الأوائل وتبعهم على ذلك الحكام الكاثوليك، فما ارتكبه هؤلاء في حق الموريسكيين يعدّ من الأدلة الدامغة على أن المسيحية ديانة تضيق بغيرها بل تضيق حتى ببعض شركائها في العقيدة؛ فصراع الكاثوليك والبروتسانت أمرٌ لا يخفى عن أحد وحرب المائة عام أو تزيد بين فرنسا وإنجلترا  (1337– 1453) كانت لها دوافع دينية واضحة وقد حصدت من الجانبين خلقا كثيرا، كل هذا وأكثر قرأنا عنه في تاريخ أوروبا وتاريخ الكنيسة ثم يأتي البابا بيندكت السادس عشر ويحدِّثنا عن السلم المسيحي والعنف الإسلامي! الأحرى به أن يراجع التاريخ المسيحي والتاريخ الإسلامي ثم يقارن بكل تجرُّد ليعلم أيهما يحقق السلام وأيهما يقوِّض أركانه وينسف أسبابه.

يجب أن لا يفهم المسيحيون بأن تزامن هذا المقال مع وفاة البابا بيندكت السادس عشر هو شماتة في المسيحيين، بل هو رسالة إلى الفاتيكان بأن يصحِّح مفاهيمه تجاه الإسلام، فنحن المسلمين أمة حوار ودعاة جوار ولكننا لا نقبل بأي حال من الأحوال أن يكون ذلك على حساب عقيدتنا وقيمنا ورموزنا ومقدساتنا، وقد أعجبني في هذا الصدد ما جاء في الخطاب المفتوح الذي وجَّهته زينب عبد العزيز، أستاذة الحضارة الفرنسية بجامعة الأزهر، إلى البابا بنديكتوس السادس عشر ردا ما جاء في محاضرته التي ألقاها في جامعة بون، تقول: “من يحمل على كاهله أمانة ومسؤولية كل هذه الألقاب، عارٌ عليه أن يتدنى إلى مستوى السب العلني لدين يتمسك به ويتّبعه أكثر من خُمس سكان العالم.. وعار عليه أن يختار موقف التحدي الاستفزازي للنيل من الإسلام والمسلمين.. وهو موقفٌ يندرج بلا شك ضمن مسلسل الإساءة والمحاصرة الذي بدأ منذ بداية انتشار الإسلام ويتواصل حتى يومنا هذا”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!