“خليدة” تريد معرفة الحقيقة؟
إتصّل بي أمس، فنان تشكيلي جزائري، قرّر مؤخرا الاستقرار في العاصمة الإسبانية مدريد، وهو في حالة من الغليان، تجاه وزيرة الثقافة السابقة خليدة تومي، التي انضمت لبعض الشخصيات الجزائرية التي تطالب بلقاء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، من أجل معرفة إن كان على علم بالقرارات، التي وصفتها السيدة خليدة تومي، بالخطيرة، وصدرت عنه. هذا الرسام الذي عرض لوحاته في أكثر من ثلاثين بلدا، أقسم بالله، بأنه على مدار اثنتي عشرة سنة من حمل السيدة خليدة لحقيبة وزارة الثقافة، كان يطلب ملاقاتها ولا يستطيع، وكان يشك أصلا بأن القرارات التي كانت تصدرها وزارتها من خلال تعيين بعض مديري الثقافة ومحافظي بعض التظاهرات من “الأميين” على عِلم بها، أو على دراية بالأسماء المُعيّنة؟
بعيدا عن المشاركين في خطّ هاته الرسالة، وشرعية مطلبهم من عدمه، فإن ما صار ينفّر المواطن الجزائري، من مثل هاته المبادرات، هو بعض المشاركين فيها من الذين باعوا “نضالهم الحزبي” الذي أوصلهم إلى الأضواء، من أجل منصب وزاري، وبمجرد أن سُحبت منهم الحقيبة، حتى عادوا إلى عاداتهم القديمة، ولسنا في حاجة للقول بأن السيدة خليدة لو تمّت دعوتها مرة أخرى لحمل أية حقيبة جديدة حتى ولو كانت وزارة الشؤون الدينية، لخوّنت كل من أمضى على رسالة المطالبة بلقاء الرئيس.
صحيح أن الأداء السياسي الضعيف للسلطة في الجزائر، هو الذي خلق معارضة ضعيفة، وصحيح أن خليدة ما كانت لتصل إلى البرلمان في عام 1997 تحت لواء “سعيد سعدي”، وتحمل حقيبة بحجم ثقافة بلاد مثل الجزائر لولا السلطة، وتنضم إلى المجاهدين والروائيين والحقوقيين الذين أمضوا على رسالة “التشكيك” لولا السلطة، ولكن أن يصل المستوى إلى درجة أن السيدة التي “سبحّت بحمد السلطة” وزغردت من دون فرح ورقصت على جثة الاقتصاد الوطني في صرف الملايير على مختلف “الزردات” التي أقامتها، فذاك ما صار يُبعدنا مسافات طويلة عن الحل المأمول في أزمة جزائرية لم تعد في الحاكم فقط، وإنما في الشعب أيضا، ولم تعد في السلطة والموالين لها فقط، وإنما أيضا في المعارضين.
تمرّ الآن أكثر من سنة، منذ أن غادرت خليدة مقر وزارة الثقافة، واختفت عن حفلات الشاب مامي وموسيقى “الڤناوة” الذي كانت ترافع لها، وعن تصريحاتها التي كانت توحي لسامعها بأن السيدة غارقة في الثقافة من أدبها إلى ألوانها إلى تراثها، ولا أحد شاهدها في نشاط واحد، من تظاهرة عاصمة الثقافة العربية بقسنطينة إلى احتفالية الموسيقى الكلاسيكية العالمية في قاعة الموڤار، ولا نقول ألقت علينا محاضرة، قدّمت فيها عصارة عمر كامل حملت فيه حقيبة ثقافة بلد بحجم قارة، أو كتابا من أناملها في معرض الكتاب الدولي الذي انقضى منذ ساعات.
السيدة خليدة تريد ملاقاة الرئيس، ونحن أيضا، وتريد معرفة الحقيقة، ونحن أيضا، ولكننا نريد الحقيقة منذ يوم اعتبرت فيه سجود الصلاة إهانة للإنسان، إلى رسالتها الحالية وطلبها ملاقاة الرئيس.