“داعش” تنقذ رأس الأسد
عندما شرعت الولايات المتحدة في الصيف الماضي، في تشكيل تحالف دولي واسع لمحاربة “داعش”، بعد سيطرتها على الموصل وعددٍ من المدن الكردية وتهديد بغداد نفسها، توقّعنا أن تلجأ أمريكا لاحقاً إلى إبرام صفقة مع نظام الأسد لدخول جيشه في حرب برّية ضد هذا التنظيم في سوريا موازاة مع حربها الجوية ضده، مقابل قبولها ببقاء بشار ونظامه في الحكم وإجبار المعارضة “المعتدلة” على إبرام تسويةٍ معه للقتال إلى جانبه.
وبعد أزيد من نصف عام من التردد، حسمت أمريكا أمرها في هذا الاتجاه، بعد أن أدركت أنه لا يمكنها المراهنة على القصف الجوي وحده لتغيير الواقع على الأراضي السورية التي يسيطر عليها “داعش“، وعلى 5 آلاف مقاتل “معتدل” يُدرّب في السعودية وتركيا لمحاربة هذا التنظيم الذي أثبت قوته وشدّة بأسه على الأرض، ولا نستبعد أن تدخل المعارضة “المعتدِلة” في مفاوضات مع النظام قريباً تفضي إلى تسوية سياسية تسمح للجميع بالتفرغ لمحاربة “داعش” و“النصرة” وأخواتهما.
ومن تابع تصريحات مدير المخابرات الأمريكية جون برينان، بخصوص رفض أمريكا سقوط نظام بشار واستيلاء جماعات “متطرّفة” على الحكم، ثم وزيرها للخارجية جون كيري، بشأن التفاوض مع الأسد، يدرك تماماً أن“داعش” قد أنقذت رأسه دون قصد، وأن أمريكا قد تخلت عن شرط إسقاطه وغيّرت موقفها من الأزمة السورية، حتى وإن صرّح مسؤولون آخرون بغير ذلك لامتصاص غضب المعارضة وتركيا وفرنسا ودول أخرى؛ فقد باتت أمريكا تدرك أن الجيش السوري هو الذي سيُخرجها من مأزق عدم فاعلية ضرباتها الجوية في سوريا، تماماً مثلما يسير الإيرانيون بقيادة قاسم سليماني باتجاه تغيير الوقائع على الأراضي العراقية التي سيطر عليها “داعش“، وهي ترى أن مصلحتها تكمن في عقد صفقةٍ مع الأسد بالتوازي مع التحضير لصفقةٍ أخرى مع إيران بخصوص برنامجها النووي. وفي علم السياسة قاعدة مشهورة تقول إنه ليس هناك عدوّ دائم ولا صديق دائم، بل مصالح دائمة.
يبقى أن نعرف ما الذي يمكن أن تغيّره هذه المعطيات الجديدة على الأرض؟ فالمعروف أن “داعش” يسيطر على نحو نصف الأراضي السورية، والقوى الإسلامية التي رفضت الدخول في التحالف الدولي ضده، وفي مقدمتها “النصرة“، رسّخت أقدامها على الأرض، في حين تحوّل “الجيش الحر” إلى بقايا جيش، وتلاشت “حزم” منذ أيام، وليس للكتائب الموصوفة بـ“المعتدلة” وجودٌ ميداني قويّ ومؤثر، فما الذي سيغيّره التوجّهُ الأمريكي الجديد في الميدان ولاسيما إذا رفضته تركيا ودولٌ إقليمية أخرى وأصرّت على دعم مختلف التشكيلات المسلحة للمعارضة لمواصلة الحرب؟
المشكلة أن هذه الحرب دخلت عامها الخامس من دون أن يلوح في الأفق أيّ مؤشر لإمكانية تحقيق الحسم العسكري لصالح أيّ طرف، ما يعني استمرارها وقتاً أطول، ومضاعفة الخسائر البشرية والمادية ومعاناة الشعب السوري من دون أيّ فائدة، وهذا الوضع لا يخدم في النهاية سوى الكيان الصهيوني، بدليل ما كتبته صحيفة عبرية منذ يومين بأن “مصلحة إسرائيل تكمن في استمرار الحرب في سوريا“؛ أي استمرار أطراف الصراع الثلاثة: الجيش السوري والمعارضة و“داعش” في إضعاف بعضها البعض واستنزاف قدراتها سنوات طويلة من دون أن تخسر على أيٍّ منهم طلقة واحدة.