الرأي

درسٌ أمازيغي من حاج محنّد طيب

حسين لقرع
  • 2516
  • 44
ح.م

في خضمّ الجدل الدائر منذ سنوات عديدة حول الحرف الأنسب لكتابة الأمازيغية، وبروز اتجاهٍ مؤثّر في القرار السياسي باعتماد الحرف اللاتيني رغما عن إرادة غالبية الجزائريين، قرّر سي حاج محنّد محنّد طيب التفرّغ لترجمة معاني القرآن ببيته في تيزي وزو. وبعد سبعة أعوام كاملة من العمل بجدّية وصمت، استكمل عمله الضخم، وقدّم إنجازه الكبير بالحرف العربي، ليؤكّد بالدليل القاطع أنه الأنسبُ لكتابة الأمازيغية من أيّ حرفٍ آخر.
قبل سي حاج محنّد طيب، كان هناك علماء أمازيغ كثيرون على امتداد 14 قرنا كاملا اختاروا كتابة الأمازيغية بالحرف العربي وحده، ولا تزال مخطوطاتُهم محفوظة ببجاية إلى حدّ الساعة، ولم يسجّل لنا التاريخُ أن أحدهم قد شكَا من عدم قدرة الأبجدية العربية على استيعاب المنطوق الأمازيغي، وحتى سي حاج محنّد طيب يؤكّد أن كتابة الأمازيغية بالأبجدية العربية لا تحتاج إلا إلى تعديل 5 حروف منها، في حين إنّ كتابتها بالأبجدية اللاتينية تحتاج إلى تعديل 18 حرفا كاملا؛ أي إنّ هناك أبجدية جديدة لا يفهمها سوى واضعيها، ومع ذلك يزعمون أنها ستحقّق للأمازيغية “العالمية” و”الانتشار”؟!
طيلة 14 قرنا من التعايش، كان هناك تأثيرٌ قوي للعربية على شقيقتها الأمازيغية، وتجلّى ذلك التأثيرُ في لجوء الأمازيغ بمختلف لهجاتهم إلى اقتراض أكثر من 70 بالمائة من الكلمات العربية للتعامل بها يوميا، أليس هذا سبباً آخر لكتابة الأمازيغية بالحرف العربي؟
هذه الخطوة تعني استمرار الانسجام والتعايش بين اللغتين، وتوفيرَ البيئة المناسِبة للأمازيغية للانتشار، واحتضانَها في شتى أنحاء الوطن، وسيكون ذلك مدعاة إلى تعزيز النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية، وهذا ما لا يحققه الحرفُ اللاتيني الدخيل الذي يرفضه أغلبُ الجزائريين، أو حتى التيفيناغ الذي سيحتاج إلى وقتٍ طويل لتعلّمه واستعماله. ونأمل أن يستوعب المجْمعُ الجزائري للغة الأمازيغية هذه الحقيقة ولا يكرّر التجربة الإيديولوجية المتحيِّزة لمحافظة الهاشمي عصاد.
الأمازيغية الآن لغة وطنية ورسمية، والدولة تسعى إلى تدريسها في 48 ولاية، وتعميمِ استعمالها.. ومن ثمّة، فإنه من حق الجزائريين أن يختاروا الحرف الذي ستُكتب به هذه اللغة التي ستُدرَّس لأطفالهم، والواضح تماماً أنّ أغلبهم يفضّل الحرف العربي؛ ليس فقط سكان الولايات التي انقرضت منها الأمازيغية منذ قرون كقسنطينة وميلة والمسيلة وسكيكدة وعنابة والمدية وغيليزان ومستغانم… وولايات أخرى عديدة، بل حتى الشاوية وبني ميزاب وغيرهم من الأمازيغ يفضّلون الحرف العربي ويدرّسون به أطفالهم منذ بداية تدريس الأمازيغية اختياريا في 1996، ولو تُركت للجزائريين حريةُ الاختيار بين الحروف عن طريق إجراء استفتاءٍ شعبي، لفاز أنصارُ الحرف العربي بنسبةٍ لا تقلّ عن 90 بالمائة، فلماذا تسعى بعض الأطراف إلى فرض الحرف اللاتيني على الجزائريين؟
إن فرض الحرف اللاتيني سيعني إطلاق رصاصة الرحمة على الأمازيغية، وعرقلة انتشارها، وفشل تجربة تعميمها، وسيكون ذلك مدعاة إلى رفض أغلب الجزائريين لها، وحتى إذا فُرضت قسرا في المدارس، فلن يكون حظها من الإقبال على تعلّمها أكبر من حظ الفرنسية، ولن يكون لها أيّ أثر اجتماعي في الولايات التي انقرضت منها. والأيام ستُثبت صحّة ما نقول.

مقالات ذات صلة