-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

درس من الشعب التركي

حسين لقرع
  • 2366
  • 0
درس من الشعب التركي

يمكن القول إن الشعب التركي كان الرابح الأكبر في الانتخابات التشريعية الأخيرة، بعد أن اتخذها محطة أخرى لتكريس تجربته الديمقراطية المتميزة في العالم الإسلامي.

منذ عام 2002 وأغلبية الشعب التركي تمنح أصواتها لحزب “العدالة والحرية”، وقد نال أغلبية مطلقة في الانتخابات التشريعية الثلاثة الماضية، ولكن الشعب رأى اليوم أن قائد “العدالة والتنمية” أردوغان قد بدأ ينزع نحو الحكم الأحادي، فرفض منحه الأغلبية التي تمكّنه من تعديل الدستور، بل حتى الأغلبية المطلقة التي تمكّنه من تشكيل حكومة دون حاجةٍ إلى ائتلاف.

لقد قدّم أردوغان منذ عام 2002 خدماتٍ جليلة لبلده، وحققت حكومته طفرة اقتصادية كبيرة لتركيا جعلتها تحقّق نسبة نموّ قياسية بلغت 8 بالمائة، واحتلت بموجبها المرتبة الـ17 في قائمة أكبر الاقتصادات العالمية بعد أن كانت غارقة في التخلف، ومع ذلك رفض الشعب طلب أردوغان منحه الأغلبية البرلمانية الساحقة لكي يعدّل الدستور ويجعل نظام البلد رئاسياً؛ فقد رأى في ذلك نزعة سلطوية فردية تهدّد الديمقراطية الفتيّة في البلد، فآثر الإبقاءَ على النظام البرلماني الحالي الذي يتيح له مشاركة أفضل في الحياة السياسية عن طريق ممثليه في البرلمان، والذين يمكُنهم مراقبة أداء الحكومات، والضغط لتغيير سياساتها، وإسقاطها إذا تطلّب الأمر، وهو الأمر غير الفعّال في النظام الرئاسي.

معنى هذا أن الشعب التركي قد بلغ درجة عالية من الوعي والنضج السياسي لم يعد معها يقبل العودة إلى أيّ شكل من أشكال الشمولية، ولو كانت مغلّفة بغطاء نظام رئاسي تحاول تسويقَه شخصيةٌ سياسية محبوبة وحققت له الكثير من الإنجازات طيلة 12 سنة من رئاسته للحكومة؛ فالإنجازات المحققة يجب أن لا تكون ذريعة لتعديل الدساتير بغرض تكريس هيمنة الأشخاص على مقاليد الحكم على حساب المؤسسات، وفي ذلك درسٌ بليغ من الأتراك للشعوب العربية والإسلامية بضرورة عدم موافقة زعمائهم إذا أرادوا تغيير الدساتير وفتح العهدات الرئاسية بنيّة احتكار الحكم مدى الحياة، بذريعة أنهم أنجزوا الكثير لشعوبهم، وكأن هذه الإنجازات، مِنّة من هؤلاء الرؤساء وليست واجباً يؤدونه.

وكما كرّست هذه الانتخابات الإرادة الشعبية بعيدا عن نزوات الحاكم وتعطّشه للانفراد بمقاليد الأمور، فقد كرست أيضاً خروج العسكر من الحياة السياسية، فهذه هي الانتخابات التشريعية الرابعة منذ عام 2002 التي تتمّ دون انقلاب، ما يعني أن جيش تركيا الذي كان “مُدمناً” على الانقلابات ومصادرة الإرادة الشعبية في العقود الماضية، قد اختار، بشكل نهائي فيما يبدو، تسليم زمام الأمور للشعب قصد تحقيق الاستقرار لبلده وإخراجه من التخلف كما حدث في بلدان عديدة في العالم الثالث تخلى فيها العسكر عن السلطة وسمحوا بالديمقراطية الحقيقية في بلدانهم، ومنها الأرجنتين والبرازيل.. ما مكّن تركيا من الخروج بدورها من التخلف. وحريّ بعسكر الدول العربية والإسلامية أن يستخلصوا العبرة الكاملة من عسكر تركيا، ويتخلّوا بدورهم عن احتكار الحكم وفرض ديمقراطية الواجهة على شعوبهم، لأن ذلك لا يعني سوى غرق بلدانهم في التخلف والفقر والفساد ونهب الثروات وتفويت الفرصة تلو الأخرى عليها في تحقيق أيّ إقلاع تنموي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • بدون اسم

    لا لاتقارن يا لقرع الشعب التركي المثقف المتحضر الواعي العارف بمصلحة بلده بشعب سماه أحدهم بالغاشي وهو فعلا كذلك حاشا بعضه شعب تجمعه الغايطة وتفرقه هراوة الشرطي قبل أن يصل فيموت الكثير بفعل التدافع في مختلف الاتجاهات ، شعب يضحك عليه ببعض الدريهمات ليصوت على عاهر أوسكير أو تافه أو ناهب حتى المنتخب منه يختار أن يمسك الرشوة من مرشح سقط في البرلمان ليصوت عليه سيناتورا .
    شعب ما زال بعيدا عن المستوى فلا تنتظر منه شيئا .

  • احمد - سطيف

    المفال على ما فيه من تمنيات جميلة و حلم بحكم مدني ديمقراطي و عادل بعيدا عن العسكر و عن كل استبداد، إلا أنه يحتوي على مغالطة كبيرة لا أظن أنها مقصودة من الكاتب المحنرم و هي أن نتيجة الإنتخاب هذا كانت بتأثير كبير من التحالفات الكرديه و ما تأثرت به كرد فعل على معركة كوباني بسبب عدم تدخل مباشر لتركيا فيه ضد داعش. و نتيجة الصراع مع جماعة عبد الله كولن و التحريض الغربي و الصهيوني. و المحتمل المنظور أن حكم إئتلافي سيفشل قيامه و ستكون انتخابات مسبقه في الخريف ربما، و سيستعيد حزب العدالة مكانه بأقوى.

  • بدون اسم

    بعض البهائم الاعراب يعتبرون عدم حصول حزب اردوغان على الاغلبية المطلقة هو انتكاسة وانهزام وانتقام وتقزيم للرجل العظيم اردوغان..تفكير بهائمي بكل امتياز...الا يعلم هؤلاء البهائم الاعراب ان الفارق بين حزب اردوغان والحزب الثاني في الترتيب هو20في المئة..اليس هذا الفارق بمثابة انتصار للحزب ولأردوغان...الاعراب بهائم ابناء بهائم..خاصة اعراب العروش والكراسي

  • بدون اسم

    مكانك الصحيح هو مربط الفرس مع اشقائك وتناول كل انواع القرط.والبرسيم ايضا المحلي والمستورد

  • س . منصور

    نعم حقق انجازات لكن بفضل كمال اتاتيرك وفلسفته التي دخلت عالم الكبار والعمالقة
    هو اكمل ما كان موجود العلمانية اللائكية الاهتمام بالتاريخ والثقافة التركية الاصيلة ليس الثقافة العربية وحروفها الدخيلة
    فصل الاسلام وعلماء الدين و السنة والفرض على السياسة .هل اعطى درس للعرب والمسلمين؟لا!
    مثلا امثال بلحاج وعباسي لا مكان لهم لا في المدرسة ولا المسجد ولا السياسة ولا ولا بل مكانتهم في عصر عمر وعثمان وو ولا يمكنهم الادلاء او النقد للائكية والعلمانية واتفاقيات مع اسرائيل او قتل مسلمي سوريا

  • ساكورا

    عن أي حكم اسلامي تتحدث...؟؟؟
    لا يوجد أي شيء اسمه حكم اسلامي طالما أنه لا يوجد نظام حكم اسلامي...أما نظام الحكم في السعودية فهو ملكي توريثي...

  • س . منصور

    حزب ارددغان دخل الحكم بفضل العلمانية واللائكية وليس بفضل الشرع الاسلامي لذا يجب عليه التعامل مع القاعدة العلمانية وهو لم يعطي درس للاعراب والمسلمين بل هو من تعلم الدرس من الدول العلمانية الكافرة وطبقها بتركيا والحزب لم يطبق الشريعة بل طبق كل ما هو ضد حسب تفكير الاعراب
    اتحداكم ان اعطيتموني ولو فرض واحد من الشريعة
    لماذا نجح ؟العامل الاول هو اعطاءالاهمية للثقافة التركية 2=ابقاء الحروف اللاتينية على غرار الحروف العربية ولو ان القران مكتوب بالعربية 3=ابعاد الاسلام وسننه وفرائضه من السياسة

  • estouestsudnord

    عندما يكتب موضوع بهذا الاسلوب الجميل الشامل والمغطي لكل راي ..فلماذا باتي بعض القراء ليعلقوا باراء خارج المنطق ...لنقرا وننشر المقال او ما كان فيه جميلا ***وحققت له الكثير من الإنجازات طيلة 12 سنة من رئاسته للحكومة؛ فالإنجازات المحققة يجب أن لا تكون ذريعة لتعديل الدساتير بغرض تكريس هيمنة الأشخاص على مقاليد الحكم على حساب المؤسسات، وفي ذلك درسٌ بليغ من الأتراك للشعوب العربية والإسلامية بضرورة عدم موافقة زعمائهم إذا أرادوا تغيير الدساتير***

  • ساكورا

    انتهت لعبة الاسلاميين...echec et mat

  • ساكورا

    ألم أقل لكم طمع ابليس في الجنة ؟؟؟؟؟؟ و أن الشعب التركي لن يفرط في مكاسب العلمانية أبدا...

  • شاوي2

    حكم اسلامي بتركيا!
    من القواعد الهامه في الحكم الاسلامي هي
    دفع الجزية !؟هل الارمن يدفعون الجزية مقابل حمايتهم في تركيا
    ولن اتكلم عن مشاركة تركيا مع otanاو الناتو ضد الاعراب والمسلمين *لن ترض عنك.....
    تركيا دولة علمانية لا ئكية لا علاقة لها لا بالمسيحية ولا بالاسلام
    والدين خارج اللعبة السياسيه.
    السعودية بها حكم اسلامي العلم مكتوب عليه *لا اله الا الله ومحمد رسول الله.....*
    قطع الايادي للسارق ووووو على الشعب الفقير