-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

درس واحد من بومباي

عابد شارف
  • 5123
  • 0
درس واحد من بومباي

أعادت الهجمات الإرهابية التي شهدتها العاصمة المالية للهند بومباي بعض الحقائق البسيطة المتعلقة بالأمن والاستقرار، كما أكدت أن العالم سيبقى يبحث، ولمدة طويلة، عن طريقة جديدة لمواجهة الإرهاب، وأن كل بلدان العالم تبقى مهددة، وستجد نفسها مضطرة على تخصيص مبالغ خيالية لضمان أمنها، دون أن يضمن لها ذلك أن مجهوداتها ستكلل بالنجاح.

  • ويمكن استخلاص عدد من الدروس من المأساة الأخيرة التي عاشتها الهند، والتي خلفت ما يقارب مائتي ضحية:
  •  
  • 1. إن مواجهة الإرهاب تبقى عملية صعبة ومعقدة، تستهلك الأموال والطاقات والوقت، وتتطلب مشاركة أحسن كفاءات البلاد، دون أن تكون النتيجة مضمونة. وقد أكدت أحداث 11 سبتمبر أنه ليس بإمكان أية دولة أن تدّعي أنها محمية ضد العمل الإرهابي، وذلك مهما كانت قوتها ومهما كانت الأموال والأسلحة التي يتم تجنيدها لهذا الغرض.
  • 2. إن ظهور »الكاميكاز« أدى إلى بروز عنصر جديد في العمل الأمني، حيث أن هذا النوع من الإرهاب لا يهدف إلى انتصار صاحب العملية، ولا حتى إلى نجاته من الموت. فالذي يقوم بالعملية يبحث صراحة عن الموت، ويعتبر الإرهابي موته نجاحا. وقد عرفت حضارات أخرى هذه الظاهرة في الماضي، مع التذكير أن كلمة »كاميكاز« من أصل ياباني، وهي الحضارة التي كانت تعتبر الموت من أجل الإمبراطور أسمى هدف يعمل من أجله الإنسان. ويكاد يكون هذا التصرف فوق كل حماية.
  • 3. لكن الواقع يشير كذلك إلى أن العالم مازال يوفر مجالا واسعا للإرهاب، إما بسبب اليأس الذي يصيب مجتمعات بأكملها، أو فئات اجتماعية عريضة، لا تجد من يصغي لها ويضمن لها حدا أدنى من الاعتبار، أو بسبب الظلم الأجنبي. ويؤدي هذا الوضع إلى ظهور فكر سلبي، عدمي، لا يهدف إلى بناء شيء ما أو تحقيق هدف ما، إنما يكتفي بتحطيم الآخر لا أكثر ولا أقل.
  • 4. إن توسيع دائرة الإرهاب أدت في نهاية المطاف إلى خلط الأوراق، وفتحت لأعداء الحرية مجالا للخلط ببن الإرهاب والمقاومة. وقد قضى المرحوم ياسر عرفات نصف قرن من الزمن ليقنع العالم أن ما يقوم به الفلسطينيون مقاومة وليس إرهابا، ولكن مباشرة بعد وفاته، انقسم الفلسطينيون إلى طائفتين إحداهما تتهم الأخرى بالإرهاب.
  • 5. إن الأرض العربية والإسلامية أصبحت خصبة لإنتاج العنف، سواء بدوافع داخلية أو خارجية. أما الأنظمة القائمة، فإنها لا تترك مجالا للتحرك، وتجعل من العنف الوسيلة الوحيدة لمواجهة الوضع القائم. إضافة إلى ذلك، فإن التدخلات الأجنبية، مثلما وقع في أفغانستان قبل أربعين سنة، وفي العراق، وضعت هذه البلدان في ميكانيزمات تخلق العنف لأجيال كاملة. وقد ظهرت تيارات وطوائف لا ترى في السلم هدفا، ولا في الاستقرار وضعا يطاق. إنها تيارات زرعتها أحداث ماضية، لكن آثارها ستبقى مسيطرة لأجيال عديدة.
  • 6. إن البلدان الغربية، باستثناء الولايات المتحدة، واجهت الإرهاب بوضع قواعد قانونية مقبولة بصفة عامة حتى عند منظمات حقوق الإنسان. ولم يلجأ أي بلد إلى قرارات للحد من حريات المواطنين أو لقهرهم وانتهاك حقوقهم. وبرهن النظام الديمقراطي أنه يشكل وسيلة ردعية قوية لضمان أمن المواطنين. وحتى الولايات المتحدة، فإن مفكريها بدأوا يعترفون أن القرارات الأمنية التي تم اتخاذها كانت خاطئة وفاشلة.
  • 7. في الضفة الأخرى، نرى أن كثيرا من البلدان العربية ادّعت أنها تتخذ قرارات تهدف إلى محاربة الإرهاب، بينما كانت النتيجة الأولى لتلك القرارات قمع المواطنين ومنعهم من ممارسة حرياتهم والحصول على حقوقهم.
  • 8. لكن أهم درس جاء من الهند بعد اعتداءات بومباي، فإنه يتمثل في القرارات السياسية التي أفرزتها العمليات الإرهابية. فمباشرة بعد العمليات، قدم وزير الداخلية الهندي شيرفاج باتسل استقالته من منصبه. وقال إنه يتحمل »المسئولية الأخلاقية« لما حدث. وبعده، أعلن السيد فيلاسراو داشموخ، الوزير الأول لمقاطعة »ماهاراشطرا« عن استقالته. كما استقال السيد تارايانان، مستشار الأمن القومي.
  • لماذا استقال هؤلاء؟ استقالوا لأنهم يعيشون في بلد يتحمّل فيه المسئول مسئوليته. إذا نجح المسئول، فله الشرف والامتيازات واعتراف الشعب والمؤسسات. وإذا فشل، فإنه يتحمّل مسئولية فشله. نتيجة لذلك، فإن الهند، ورغم فقرها الأسطوري، أصبحت تشكل أحد البلدان التي تفرض نفسها في العالم، والتي ستكون بعد ثلاثين سنة من أقوى دول العالم.

   

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!