الرأي

دعاء‮ ‬للسديس

عمار يزلي
  • 5586
  • 7

اليوم مساء، وبعد الفطور، وجدت نفسي أنساق وراء صديق، أعرفه منذ شهر تقريبا. تعرفت عليه في لعبة الدومينو: لاعب ممتاز، لكنه غير مواظب على اللعب وعلى المقهى، قال لي أن عمله في “الشيفون” و”الخردة” يجعله غير مستقر ورحالة بين المدن والأسواق الشعبية الأسبوعية بها. اليوم،‮ ‬التقيت‮ ‬به‮ ‬بعد‮ ‬المغرب‮ ‬بجوار‮ ‬المقهى،‮ ‬ودعاني‮ ‬لعشاء‮ ‬عند‮ ‬صديق‮ ‬له‮ ‬غير‮ ‬بعيد‮ ‬عنا‮.‬

كنت لا أزال جائعا، لأن مائدة اليوم كانت شبه صحراوية: “لا ترى فيها عوجا ولا أمتا”..والسبب هو أني نمت طوال اليوم، ولم أشتر شيئا، وحتى لو كنت مستيقظا لما كنت لأشتري أي شيء، لأنه عمليا، لم يكن معي أي شيء يُشترى به ولا شيء. لهذا خرجت مبكرا بعد السيجارة وكأس الماء‮ ‬وحريرة‮ ‬باردة‮ ‬بقيت‮ ‬من‮ ‬الليلة‮ ‬الماضية‮. ‬دعوتي‮ ‬للعشاء‮ ‬بمناسبة‮ ‬أسبوع‮ ‬ابن‮ ‬صديق‮ ‬صديق،‮ ‬جعلني‮ ‬أقبلها‮ ‬بكل‮ ‬لعاب‮ ‬سائل‮.‬

أكلنا ما تسيّر وتعسر، ولما هممنا بالانصراف، خرج علينا صاحب المنزل ودعاني أنا الغريب عنهم والوحيد الذي يحمل “لحية” (لحية لا تصلي إلا نادرا ولا تصوم إلا نائمة)، لكي أرفع الفاتحة والدعاء لأهل البيت: تحرجت، لكن لم أرد أن أبدو قليل الأدب والمروءة، حتى صديقي شجعني وأقسم علي أن أدعو لأهل البيت بهذه المناسبة، كونه لم يكن يعرفني كثير المعرفة. حاولت أن أعتذر وأطلب من شيخ كبير بجواري، أن يقوم هو بالدور لأنه أكبرنا، لكن الشيخ توسم في هو الآخر العلم والوقار واللحية البيضاء، وأقسم ألا أكون إلا أنا من يتشرف بالدعاء للجميع وقراءة الفاتحة. الحمد لله أني أحفظ الفاتحة، مع بعض التمطيط في الأحرف والوقوف بغير وقف. قرأت الفاتحة أمام نحو 35 مدعواً، ثم رفعنا أكف الضراعة ورحت أقول: الحمد لله يارب على هذا النعم، على خاطر “نعم” من عند ربي و”لا” من عند العبد.. ياربي أعطينا النعم وخطينا من “لا”. يارب أعط لهذا الناس اللي راهم هنا قاعدين وما جبروا ما يديروا وجاو غير ياكلو.. ياربي أعطهم القناعة.. وأعط للحساد الشر والحسك.. يارب أحسك أولاد الحرام.. اللي يظلوا ينسنسوا على الناس.. أعطهم يارب العمى الكحلي.. وأعطهم الخنزير ومرض السل وقز القرط.. أعطهم ياربي أم عريق والمكلفة والسحت والجرب. ياربي أغفر لهذا الناس.. وسامحهم على واش راهم دايرين.. حتى واحد فيهم ما يسلك من النار.. قاع كيما راهم هنا غير نتاع كروشهم.. يا ربي كبر لهم الكروش وخليهم يمركيوْ غير من التوش.

ثم نبهني أحدهم بوخزة بأنني أقول أي شيء، خاصة لما رأيت الناس يمصّون الملح والبعض بدأ يغادر الصالة والبعض ينحنح ويتظاهر بأنه ينظر إلى هاتفه المحمول أو يحاول الاتصال. رحت أغير وأدعو بالخير: ياربي أغفر للسديس مسكين.. والحاج الغامدي والشريم.. ياربي بجاه سيدي قادة‮ ‬نتاع‮ ‬معسكر‮.. ‬ما‮ ‬تحافيش‮ ‬السديس‮ ‬اللي‮ ‬نحبوه‮.. ‬ياربي‮ ‬أعطيه‮ ‬الذرية‮ ‬ونجح‮ ‬أولاده‮ ‬في‮ ‬البيام‮ ‬والباك‮.. ‬ياربي‮… ‬راني‮ ‬خايف‮ ‬على‮ ‬السديس‮ ‬من‮ ‬عذاب‮ ‬جهنم‮.. ‬يارب‮..‬

عندما‮ ‬أنهيت‮.. ‬كنت‮ ‬الوحيد‮ ‬الباقي‮ ‬في‮ ‬الصالة‮.‬

مقالات ذات صلة