الرأي

دفاعاً عن المعلمين

قيمة العلم والعلماء في الإسلام كبيرة، ومكانته ومكانتهم فيه عالية.. ويكفي دليلا على ذلك أن يحصر سيدنا محمد -عليه الصلاة والسلام- مهمته في العلم فيقول: “إنما بعثت مُعَلِّمًا”. وبما أن العلم في ديننا هو تربية وخُلق قبل أن يكون “معلومات” فقد حصر معلمنا الأول والأخير -صلى الله عليه وسلم- هذا التعليم -بمعناه الواسع- في إتمام مكارم الأخلاق…”إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.

لقد كثرت في السنوات الأخيرة إضرابات المعلمين والأساتذة، وقد اتهمهم الناس بأنهم غير مقدرين لمسؤوليتهم، وغير شاعرين بما يتهدد التلاميذ -والوطن عموما- من أخطار في المستقبل المنظور وغير المنظور، نتيجة عدم تلقي التلاميذ الكم الواجب من المعارف ..

وقد آلمني كثيراً ما قرأته في الأسبوع الماضي من أن “جمعية أولياء التلاميذ” راسلت المسئول الأول في البلاد تطلب منه التدخل لإجبار الأساتذة والمعلمين على توقيف الإضراب واستئناف التدريس..

من حق، بل من واجب “جمعية أولياء التلاميذ” أن يهتموا بمصير أولادهم ومستقبلهم، الذي هو مصير الجزائر ومستقبلها، ولكن على هذه الجمعية أن تهتم -أولا وأخيرا- بحال المعلمين والأساتذة.. سواء من الناحية المادية أو المعنوية، لأن المعلمين والأساتذة إذا أحسوا أنهم محل اهتمام، ولم تغمط حقوقهم أعطوا مجهودا أكبر، ونصحوا لتلاميذهم، وأقبلوا على العمل بصدور منشرحة، وبنفوس مبتهجة، وبمعنويات مرتفعة، أما إذا أدركوا أن حقوقهم المادية مهضومة، وأن قيمتهم المعنوية مكلومة فإنهم -ولو أجبروا على العمل- يعملون وحالهم النفسية سيئة، ولا يبذلون ما يجب عليهم أن يبذلوه من جهد، بل يقضون الوقت كيفما اتفق، ولا يعنيهم أمر التلاميذ، فهموا أم لم يفهموا، استوعبوا الدروس أم لم يستوعبوا. وقد كان الإمام الإبراهيمي يعتبر التعليم كالعبادة التي أجرها عند الله -عز وجل- ومع ذلك كان يقول دفاعا عن حقوق المعلمين، وحرصا عليها: “أما والله لو استطعتُ لأَعطيتُ المعلم جَمًّا، ثم لَوَسعتُ العطاء ذمًّا حتى تقوى فيه نزعة الكرامة وشرف العلم…”. وقد ذهب الإمام الإبراهيمي -رغم الظروف المادية السيئة للجزائر في الأربعينات- إلى اعتبار مساكن المعلمين والمديرين الشرط الأول لاحْتِضَانِ جمعية العلماء أية مدرسة تسييرا وبناء..

إن المعلم والأستاذ إن لم يشعرا أنهما محل اهتمام مادي وتقدير معنوي من الوزارة ومديريات التربية، ومن المجتمع -أولياء وجمعية- كان المردود متوسطا أو دونه.. ويبوء بالخسران أبناؤنا ومن ورائهم وطننا.

إن أكثر مسئولينا يفضلون، ويحترمون، ويكرمون إكراما حاتميا أولئك الناهقين والناهقات، والشطاحين والشطاحات، ويغدقون عليهم الأموال، وينزلونهم في الفنادق الفخمة.. ويهينون المعلمين والأساتذة، وقد رأيناهم يُضْرَبون أمام تلاميذهم.. فأنصفوهم -معنويا وماديا- ثم طالبوهم بالواجبات.

مقالات ذات صلة