-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
شيدت منذ 2600 سنة

دلس.. عروس البحر النائمة

فاروق كداش
  • 3884
  • 0
دلس.. عروس البحر النائمة

هي دلس، وتدلس ودللس.. هي القصبة القديمة، التي بنيت قبل قصبة العاصمة. هي قصة عشق غريبة للبحر. وهي لكنة لا تلوكها سوى ألسنة أولاد البلد.. الشروق العربي، تشد الرحال إلى مزوج والبغلية وبرج فنار، وتعرج على تاكدامت وتشرب من وادي ساباو.

قصبة دلس.. الأقدم في الجزائر

أقامها القرطاجيون، في القرن السادس قبل الميلاد. وعمرها الرومان، وسموها “روسوكوروس”. وعرفت أوج قوتها ورخائها في عهد الإمبراطور كلاوديوس. عهد لا تزال بعض الأطلال شاهدة عليه، مثل الأسوار، غربي المدينة، التي تشبه سور الصين العظيم. والمنبع، الذي يعرف حاليا بسيدي سوسان، فضلا عن بعض قطع الفسيفساء النادرة، التي تروي أمجاد المدينة.

عرفت المدينة بعدها عدة غزوات وزلازل، دمرت المدينة القديمة. عندما جاء العرب، قاموا ببناء المدينة من جديد، على أنقاض المدينة الفينيقية. خضعت المدينة، بعدها، لسيطرة الحماديين. كما استقر بها معز الدولة بن صمادح، صاحب المرية، بعد اكتساح المرابطين الأندلس، سنة 1088 م. استولى عليها أبو عبد الله الحفصي، وانتزعها من أيدي بني عبد الواد ثم أقر عليها عاملاً من قبله، مع حامية من الجند. إلا أن السلطان أبا حمو، بعد حصاره المدينة، استطاع أن يستردها مجددا. بعد استيلاء الإسبان على بجاية، سنة 1509 م، أصبحت دلس قاعدة للأخوين بربروس عروج وخير الدين، ومنها انطلقت الحملات لاسترداد المدن المحتلة، قبل أن ينتقلا إلى مدينة الجزائر.

بدأ الفرنسيون في غزو منطقة القبائل، منذ عام 1837 م. وقاد الماريشال بيجو الحملة الفرنسية في المنطقة، وواجه مقاومة شرسة، قادتها قبيلة فليسة. وانتهت المقاومة مع إكمال الفرنسيين سيطرتهم على المنطقة، ودخول دلس، في 18 ماي من سنة 1844 م.

كانت دلس من أوائل المدن التي عمل فيه جيش التحرير الوطني الجزائري عمليات، ضد الاستعمار، في نوفمبر 1954.

لدلس تاريخ لا ينكره أحد.. هي من نظم فيها الشاعر الفرنسي ألبير تروست قصيدته “لن أنسى يا شرشال شواطئك الخلابة.. وفي نفس الأفق الأزرق هي شواطئ دلس.. كم أحببت أن أجمع في نفس الفكرة ملذات دلس وحسن شرشال”. ووصفها الباحث، فوزي سعد الله قائلا: “هذه الأندلس المنسية، هذه الجنة! في هذه البلدة الصغيرة، الواقعة على مشارف منطقة القبائل، لا يزال بإمكاننا مقابلة الحكماء القدامى، المتأصلين بعمق في المنطقة، الذين يتجولون في القصص القديمة”.

مدينة لا يمر عليها الناس مرور الكرام، فبطليموس حدث عنها، وابن حوقل وابن بطوطة وصفاها، والإدريسي خصها بكلمات في كتابه “نزهة المشتاق”، وعرج عليها الرحالة تيجروتي، وسماها ابن خلدون “تادلس”، ودوّن الحسين الورتيلاني لقاءه بأحد أعلامها، “أحمد بن عمر التادلسي”. اشتهرت مدينة دلس بمدرستها القرآنية، “سيدي عمار”، التي تأسست قبل دخول الاستعمار الفرنسي، وبقيت على نهج الدعوة ضد حملات فرنسا التبشيرية. مسجد الإصلاح، هو أقدم مسجد قائم في المدينة. فقد شيد في العهد العثماني، لكن فرنسا أزالته، لبناء مستشفى عسكري، عام 1844، لكن، أعيد بناؤه بنفس الطراز، بعد ثلاث سنوات.

القصبة الأقدم في الجزائر

القصبة العتيقة، تُعد من أهم المعالم التاريخية لدلس. وتعد الأقدم في الجزائر، إذ بنيت عام 1068 ميلادي، لسكان المدينة. لذا، لا نجد فيها قصورا، مثل قصبة الجزائر العاصمة.

وتتكون قصبة دلس من بنايات، يفوق عددها 250. كما تضم هذه المدينة القديمة مبنى المدرسة القرآنية، المعروفة بـ”زاوية سيدي عمار”، والمسجد الكبير”، وضريح سيدي الحرفي”. ويحيطها جدار الصد، الذي يحميها، بالإضافة إلى ميناء دلس، ومنارة رأس بنغوت، أو برج فنار، كما يسميها أهل المدينة.

ويمكنك الولوج إلى القصبة عبر أبوابها المعروفة، باب البحر، وباب القبائل الزواوة، وباب البساتين، وباب الجهاد..

وكانت العيون تنتشر هنا وهناك، ولم تبق منها سوى عين واحدة، هي “عين ميزاب”.

لا يصح الحديث عن دلس إلا باسم الساحرة الفاتنة.. هي مدينة تجمع بين كل معايير الجمال، من زرقة البحر، ونقاوة الرمال، إلى جمال السهول والبراري، وشموخ الجبال المعانقة للمدينة… وفي كل مكان من ربوعها، يلاقيك ناسها بابتسامة عريضة، بحجم قلوبهم.. سنودع الآن البغلية وعين سالم والمجني وبرارات وأزرو وتيزغوين وعفير وأمادي وثالا عروس وثالا عياش وإيفحلال، على أمل العودة مجددا.. وفي انتظار موعد آخر، نعدها بأننا لن ننسى قصبتها، ودورها وناسها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!