-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

دِيرْ كِيمادارْ جارَكْ وَإلاّ حَوَّلْ بابْ داركْ

أمين الزاوي
  • 6101
  • 7
دِيرْ كِيمادارْ جارَكْ وَإلاّ حَوَّلْ بابْ داركْ

دِيرْ كِيما دارْ جاركْ وَإلاّ حوَّلْ بابْ داركْ، هذا مثل شعبي كثيرا ما يتردد على لسان الجزائريين من العامة ومن الخاصة على السواء، المتعلم والأمّي، المثقف والتقنوي، يقال ذلك دون أن ينتبه أحد، ربما، إن قليلا أو كثيرا إلى أبعاده الدلالية في تكريس بنية ثقافة معينة وإلغاء وإبعاد بنية ثقافة أخرى.

  • دِيرْ كِيما دارْ جاركْ وإلاّ حوَّلْ بابْ داركْ هو مثل يراد منه التوافق الأعمى والتبعية، إنه قول مُغتصب للحرية الفردية، مناهض لفلسفة احترام الرأي المخالف، قول يحكم على كل من يريد أن يرفع “لا” الاختلاف بغلق الباب الحواري، أي باب الاتصال الاجتماعي مع “الآخر” الذي يشاركه في اللحظة التاريخية والاجتماعية.
  • يعلمنا المثل السائر دِيرْ كِيمادارْ جاركْ وإلاّ حوَّلْ بابْ داركْ بأن عليك إذا أردت أن تكون أنتَ (أناك) لا نسخة من جارك، عليك أن تغير مقامك وبابك، و”الباب” عندنا يحمل رموزا كثيرة فهو اللغة والسلوك والهوية وهو عتبة النظر ومدخل العالم ومفتاحه. أن تتطبق هذا المثل أو تؤمن به عليك أن تتصالح مع “المسخ” وترضى بعملية “النسخ” أو “الكلوناج” الاجتماعي.
  • هذا المثل الذي يعيش معنا وفينا، ونُمْسي عليه ونُصبح والذي يدعونا إلى تغيير “اتجاه الباب” إذا ما اختلفنا مع الآخر/ الجار، هذا الآخر الذي من المفروض أن نتشارك معا في صناعة الوطن والتاريخ والحياة اليومية، هذه التشاركية التي عليها أن تتأكد في حالة الاختلاف كما في حالة الانسجام، هذا المثل الشعبي يحارب التنوع والتعدد والابداعية.
  • إن مثل هذه الثقافة بمكوناتها الشعبية التي تشكل جزءا كبيرا من بنية المخيال الجمعي في تطلعاته وطموحاته، هي ثقافة تكرس في العقل الجزائري الشعبي ثقافة النقل وتدعو إلى محاربة ثقافة العقل.
  •  دِيرْ كِيما دارْ جاركْ وإلاّ حوَّلْ بابْ داركْ مَثَل يريدنا أن نكون نسخة من بعضنا البعض، يريد أن يصنع من الجمع واحدا، أن يقيم عالما نمطيا ومنمطا على مقياس واحد، على نمط واحد، نمط ضد-تاريخي.
  • وقديما ثار الشاعر الجاهلي الكبير طَرَفةُ بن العبد ضد القمع الفكري الذي مورس ضده والذي صادر منه وباسم “الجمعانية القبلية” حريتَه الشخصية. وحين يجيء الغبن والإلغاء “الرمزي” من “القبيلة” أو “الأسرة” وباللغة المعاصرة “المجتمع المدني” (الجار) تكون الفاجعة أكبر والمأساة أعمق، هكذا صرخ طرفة بن العبد أو “ابن الوردة” كما سماه الشاعر البحريني قاسم حداد:   
  • إلى أن تحامتني العشيرة كلها
  •                 وأُفرِدْت إفرادَ البعير المعبد
  •  يدعو المثل دِيرْ كِيما دارْ جاركْ وإلاّ حوَّلْ بابْ داركْ الفرد إلى أن يكون على صورة جاره وجار جاره وجار جار جاره والسلسلة طويلة والقيد طويل، أن يكون كذلك وإلا فإن مصيره سيكون كمصير “البعير المعبد”، وهو “البعير” الذي يطلى بالقطران ويوضع في حالة “العزل” (التهميش والمقاطعة) بحجة أنه سيثير العدوى في بقية أفراد القبيلة.
  • إن مثلا شعبيا كهذا والذي لايزال يُتَداوَل حتى الآن ويوظف، بدون تمحيص، في أحاديثنا واستشهاداتنا للتدليل على حالة اجتماعية إيجابية، هو مَثَل يحارب الاجتهاد ويدعو إلى تكريس فكر “القطيع”، فكر تنوب فيه الجماعة عن الفرد في تقرير مصيره.
  • إن أخطر ما نواجهه في حياتنا هي مثل هذه الأفكار التي نتوارثها والتي تشكل مرجعية شعبية في الأحكام القيمية والسلوكية على الأفراد والتي تكون حجة مفتعلة على أساسها تحارب الحرية الفردية التي هي قاعدة الحرية الجماعية وعلى أساسها أيضا تحارب حرية إبداء الرأي وفلسفة الاختلاف.
  • إن الذاكرة الشعبية ليست بريئة، فبقدر ما قد تحمل كنوزا من الأفكار فقد تحمل كثيرا أيضا من الأفكار التي تجر المجتمع إلى الخلف وتحول دونه والتقدم وإرساء التنوع والتعدد.
  • لذا أعتقد أن كثيرا من مشاكلنا في السلوك الفردي والجماعي واللغوي والأخلاقي تكمن في البنيات التي عليها تأسس ويتأسس المخيال الشعبي الذي تحفظه وتحميه الثقافة الشعبية التي لاتزال تعيش فينا وبيننا، لذا علينا، إذا ما أردنا أن نتقدم بثبات في خطابنا الفكري، أن نعيد قراءة هذه الثقافة الشعبية، إنها تمثل مفتاحا لمساءلة كثير من الأزمات والأعطاب التي يعاني منها الفكر الفلسفي والسياسي والأدبي في بلادنا.
  •                                                                                                                                                         aminzaoui@yahoo.fr
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
7
  • si sliman

    الكاتب من يرافق اقوال بيئته فيحييها و يحيا با... والبيئة فيها من الدين و العقل و رجاحة العقل و ا لفكر ما يكفي قوت يمنا الذهني...و من لم يفهم ذلك فعليه التعلم بهدوء.

  • الياس

    كلمات رائعة من كاتب متميز

  • بدون اسم

    مقالكم يذكرني بقصص الفينيكس، الطير الزالج، الاغريق بلا لاهوتية، بابل و الاتراك، الغصن الذهبي و اخيرا ; حمص مدخل الصعاليك.

  • أحمد أبو محمد

    المثل له دلالة إيجابية لأن يطلب منك أن تكون قابلا للتطور فالذي نفعل مثله هو في الغالب نموذج للإبداع بدليل تأثيره لدرجة القناعة بضرورة محاكاته .
    وإسقاطه سيدي على واقعنا الجزائري يؤكد ذلك فالمطلوب منا كجزائريين أن نغير واقعنا نحو الأفضل كما فعل جيراننا لكن بكيفية أرقى و أفضل و أهدأ وإذا أخذتنا العزة فلننتظر الأيام ما تفعل بنا....

  • كره قيود الآخرين

    هذه عقلية البايلك،و البدوي،والريفي...فأين المدنية و التحضر في حياتنا.

  • salimnassou@hotmail.fr

    Cet écrivain ne sait guère à quel camp se rallier, car il est à la fois communiste et islamiste , arabiste francisant et bérbériste, je me demande c'est quoi cette tchektchouka

  • نجيب

    شكرا ولك الف حق سيدي