-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ذكاء المسافات بين الزوجين.. قليل من البُعد يُنعش ذاكرة الحب

ليلى حفيظ
  • 3699
  • 0
ذكاء المسافات بين الزوجين.. قليل من البُعد يُنعش ذاكرة الحب

الزواج بالنسبة إلى الكثير، يعني الذوبان والانصهار في الآخر. والزوجان المتوافقان، بحسب الاعتقاد السائد، يجب بالضرورة أن يكونا كجسدين بروح واحدة، ما يستوجب إلغاء الحدود والخصوصية والمساحات الفاصلة بينهما. ولكن، جاء الخبراء حديثا، لينسفوا مثل هذا الفهم الخاطئ، وينصحوا بوضع الحدود بين الزوجين، لا بإلغائها. وهذا، ما أطلقوا عليه تسمية ذكاء المسافات. فما المقصود بذلك؟ وكيف يمكن للمتزوجين اكتسابه؟

معضلة القنفذ

يُقال إن البعد عن الناس غنيمة، لأنه يتيح لك تجنب أذاهم. ولكن، في المقابل، هناك من يرى بأن “الجنة بلا ناس ما تنداس”، لاستحالة العيش دون أُنسهم ومنافعهم. والمرء في كلتا الحالتين بين نارين. فكيف السبيل لحل هذه المعضلة؟ الحل جاء به الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور، الذي وضع نظرية حول العلاقات الإنسانية، سمّاها معضلة القنفذ. ومفادها، أن القنافذ عندما تجتمع شتاء لتشعر بالدفء، فإنها تقوم بوخز بعضها بأشواكها، ما يضطرها إلى الابتعاد، بعضها عن بعض. ولكن، ذلك سيشعرها بالبرد مرة أخرى، فتعود إلى الالتصاق. وهكذا، يتكرر الأمر مرارا، إلى أن تتوصل في النهاية إلى أن الحل يكمن في البقاء على مسافة أمان متوسطة من بعضها البعض، تتيح لها الشعور بالدفء، دون التعرض لألم الوخز. وهكذا، هي الحال في مجال العلاقات الإنسانية.. فالأسلم، التعامل مع الناس بحدود، بترك مسافة أمان معهم، لتفادي أذاهم. وفي نفس الوقت، الاستجابة لحاجة الاختلاط بهم. وهذا، ما يسمى بذكاء المسافات، الذي يمكن، بل يجب تطبيقه على جميع أشكال العلاقات، بما فيها العلاقات الزوجية. فحفظ المسافة في العلاقات الإنسانية، كما يقول مصطفى محمود، مثل حفظ المسافة بين العربات أثناء السير، فهي الوقاية الضرورية من المصادمات المهلكة.

اقتحام الخصوصية

يتوغل الكثير من الأزواج بعمق في الحياة الخاصة للطرف الآخر، ويقتحمون خصوصيته دون استئذان، لإيمانهم العميق بأنه كلما كان بين الزوجين مرآة عاكسة بوضوح لشؤون بعضهما، دلّ ذلك على متانة الراوبط الجامعة يبنهما. وبالتالي، ضمان نجاح العلاقة. هذا الطرح، ليس صحيحا. ولكن، من يُقنع الكثير من الأزواج والزوجات من أمثال نبيلة بذلك؟ فهي، على غرار الكثير، تطالب زوجها دوما بأن يكون صفحة شفافة أمامها، وتحرص على معرفة كل شؤونه وخصوصياته، وتسعى لأن تشاركه كل تفاصيل حياته، فلا تكاد تُفوت أي شاردة أو واردة تخصه. حتى إذا ما اشتكى من كبتها على أنفاسه وتجاوزها حدود خصوصياته، راحت تشكك في إخلاصه، لأنها مُتيقنة من أن “اللي ما في كرشو التبن ما يخاف من النار”.. أي، من لا يفعل ما يُريب، لن يضيره الانكشاف للآخر. ولهذا، هي لا تؤمن بضرورة ترك مساحة من الخصوصية بين الزوجين.

في حين، إن زوجها محمد يؤمن بعكس ذلك، ويؤكد بأن الوضوح التام بين الزوجين، وعدم ترك جوانب خاصة بكل طرف، هي من أكثر دواعي الملل والرتابة في العلاقات الزوجية. لهذا، هو يتمنى لو تحترم زوجته حدود مساحته الخاصة، التي يفضل الاحتفاظ بها لنفسه، وأن تتوقف عن الالتحام الشديد به واقتحام خصوصيته، لأن ذلك يُلغي الدهشة واللهفة بينهما.

ذكاء المسافات من أسس بناء المودة والرحمة

وكحل لمعضلة نبيلة ومحمد، تقترح الأستاذة عتيقة نابتي، استشارية أسرية وعضو مركز الشهاب للبحوث والدراسات التابع لجمعية العلماء المسلمين، مكلفة بشؤون الأسرة بالمكتب الولائي لسطيف، إتقان مهارة ذكاء المسافات، الذي يعني احترام الخصوصية بين الزوجين، ووضع مسافة الأمان بينهما. فلكل طرف كما تقول: “حيز يجب أن يحترمه الطرف الآخر. لذلك، ينبغي خلق مسافة أمان بينهما، حتى لا تتداخل الأدوار، وليعيش كل طرف ما يستحق من حرية وخصوصية. ولتجنب التصادم والشد، حتى لا تصل العلاقة إلى الانفصال الصامت. وبالمختصر، ذكاء المسافات هو التعامل وفق خصوصية كل طرف.”

وتتأسف محدثتنا لكون نسبة كبيرة جدا من الأزواج الجزائريين، لا تعرف هذا النوع من الذكاء، رغم أنه ثقافة ووعي يحتاجه الإنسان حتى في حياته العامة.

لا تبالغ في الإبتعاد فتنسى ولا تقتل الشوق بكثرة الاقتراب

وتشير الأستاذة نابتي إلى أن المُفرح في هذا الموضوع، أنه يمكن اكتساب ذكاء المسافات. فالأمر يحتاج إلى الوعي بالفروق الفردية والاختلاف بين الزوجين، ومن خلال تعلم أسس التواصل والحوار الفعال بينهما. بمعنى، أنه يحتاج إلى تدريب وتأهيل، حتى يمارسه الزوجان على بينة ووعي.

أما عن مجالات تطبيقه، فتوضح الاستشارية الأسرية أن العلاقة الزوجية متداخلة، ومراعاة الخصوصية لا تعني التباعد الكلي، ولا الإفراط في الاقتراب. وهو يشمل عدة مجالات، كالماضي الخاص بالزوجين، الأصدقاء، مجال العمل الذي يجب أن يبقى مجالا خاصا بكل طرف، حيث له الحق في أن يحتفظ به لوحده، إضافة إلى الحساب الخاص على الفايسبوك، الهاتف الخاص، وغيرها من الأمور التي يحق لكل طرف الاحتفاظ بنوع من الخصوصية ومسافة الأمان في ما يخصها.

مسافات الأمان الثلاث ومسافات الأمان في العلاقات الزوجية ثلاث:

مسافة الاشتياق.. فالحب كما تقول أحلام مستغانمي، هو ذكاء المسافة، لا تقترب كثيرا، فتلغي اللهفة، ولا تبتعد كثيرا فتُنسى”.

. لهذا، لابد من قضاء الزوجين بعض الأوقات والنشاطات بعيدا عن بعض.

مسافة الخصوصية.. فلا يجب التفتيش في الماضي أو الهاتف أو الحساب الإلكتروني للآخر، ولا تجسسوا ولا تسألوا عن أشياء إن تُبد لكم تسؤكم.

مسافة المواقف الحرجة.. فعند نشوب خلاف أو شجار بينكما، فيجب الابتعاد قليلا ولفترة عن بعض حتى تهدأ النفوس، فلا يتفاقم ولا يحتدم الصراع.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!