الرأي

ذكرى.. “لغز”!

مرّت الذكرى السادسة والعشرون لاستقالة الرئيس الثالث في عمر الجزائر المستقلة الشاذلي بن جديد.. عفوا الذكرى السادسة والعشرون لإقالة الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد.

عندما نجد صعوبة في كتابة مصطلح ما، ونقحمه بعد ذلك في حدث تاريخي، فمعنى ذلك أننا سنجد أنفسنا أمام عملية تزوير للوقائع، خاصة أن الرجل المعني بالحدث، رحل ولم يكشف شيئا عن حقيقة ما حدث في الحادي عشرة من شهر جانفي من سنة 1992، وهو حدث خطير في تاريخ الجزائر لأنه أفرز سنوات، أرجعت الجزائر إلى الوراء، وكادت أن تنسف ما تحقق من مكتسبات ثورية واقتصادية واجتماعية.

الشاذلي بن جديد، الذي نتذكره بخير، دائما ليس من باب اذكروا موتاكم بخير، دخل الرئاسة لقيادة البلاد بعد هواري بومدين، ضمن واحدة من أكبر المفاجآت السياسية، وقاد الجزائر في زمن السنبلات الخضر قبل اليابسات، لأكثر من عقد ضمن مفاجأة أخرى، ثم جاء خروجه من الحكم ليفجر مفاجأة مدوية مثل سابقاتها، وإذا كان بعضنا يريد معرفة إن كان الرجل قد استقال فعلا بمحض إرادته من الحكم، ليدحض نظرية الإقالة فإن السؤال عن طريقة وصوله إلى الحكم لم يُفت فيها أبدا وبقيت لغزا أكبر من لغز الرحيل الذي نحييه في الحادي عشر من شهر جانفي.

مشكلتنا مع التاريخ، لا تتوقف عند حالة الرئيس الشاذلي بن جديد، وإنما في الكمّ الهائل من الأحداث، التي هزت الجزائر منذ الاستقلال وعجزت كل الإصدارات التي أطلّت علينا عن فك هذه الألغاز، بل إن بعضها زادتها تعقيدا.

لقد رحل أحمد بن بلة بعد قرابة قرن من العمر، ولم يف بوعده بكتابة مذكراته، فبقي ظل الرجل دون الرجل، ورحل هواري بومدين ولم يترك غير حوار أجرته وسيلة إعلام أجنبية لم يغن ولم يشف من جوع للحقيقة، ورحل الشاذلي بن جديد ولم يمنح فسحة من البوح لكاتب مذكراته، غير أحداث على هامش الحدث الرئيسي، وبقي التاريخ من دون تأريخ، بالرغم من أن شهود العيان الذين شاهدوا كل شيء من المنتظرين مازالوا على قيد الحياة، وبإمكانهم أن يجيبوا عن هذه الأسئلة التي يطرحها الجزائريون في كل مناسبة ومن دونها.

ألم يحن الوقت لنقول ما يجب قوله؟ ألم يحن الوقت لنضع كل رجل في المكان المناسب، فهناك من يُثمن استقالة الرئيس الشاذلي بن جديد ويعتبرها قمة الكرامة، من رجل نتفق جميعا على أنه كريم، فخرج من الباب الذي دخله احتراما لمن انتخبوه رئيسا، وهناك من يلوم الرجل على قبوله الإقالة ويعتبرها هروبا من الواجب وخروجا تحت الإكراه بعد دخول تحت الإكراه، لنجد أنفسنا نحتفي في كل مرة بذكرى لا ذكرى فيها، ومناسبة لا نعرف عنها سوى المكان والزمان… فقط. 

مقالات ذات صلة