-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
كل محرقة وأنتم بألف ويل!

ذهــاب وال… ومجــيء وال…!

ذهــاب وال… ومجــيء وال…!

عندما نزعنا آخر ورقة في يومية العام المنصرم، طوينا بها آخر أيام هذا العام، الذي ودعناه غير آبهين به، وشيّعناه لم نأسف عليه، على حد تعبير الشاعرة الفلسطينية الخالدة الذكر فدوى طوقان.

  • كان العام الثامن من القرن الثالث الميلادي، عام شؤم على الإنسانية عموما، وعلينا نحن العرب المسلمين على الخصوص. فقد كان عاما مثقلا بالحروب وما صاحبها من الخراب والدمار، ومبللا بالدماء والدموع وما نتج عنها من حزن وأسى، وما خلفته من أرامل وبؤساء. لقد أذاب فينا هذا العام كل معاني الحب والمُنى، وقتل في شعورنا أحاسيس الآمال والبُنى، فمن كابول إلى بغداد، ومن مقديشو إلى غزة الاستشهاد، أقاليم تُبَاد، وحكومات تنقاد، وشعوب تقاوم، رغم الاضطهاد، وطغيان وجبروت، وظلم، وعدوان في تماد وازدياد… فيا الله للشرفاء من العباد!
  •   ففي الوقت الذي كان فيه جمهور الغرب يصخب ويعربد احتفالا باستقبال العام الجديد على شنشنة قنينات الخمر، وزجاجات الويسكي، كان شعب الشرق يئنّ تحت وطأة قعقعات المدافع، وأزيز الطائرات، فيندب ويبكي. وكما قال شاعر العربية جميل صدقي الزهاوي:
  • وللغرب أعوام وللشرق مثلها
  •                         ولكنها الأعوام، في الشرق تسئم  
  •  ففي الغرب افراح، وفي الشرق غمة
  •                         وما الأرض إلا جنة وجهنم
  • شقيقان هذا ليل ابنائه بهم
  •                         مضيء، وهذا يوم أهليه مظلم
  • وتختلف الأيام إلا أقلها
  •                         ويختلف التفكير، والعرق والدم
  •   جاءتنا رسل الغرب، منذرة، مزمجرة، ومعربدة في بلداننا، جاءتنا بأساطيلها وجيوشها، وطائراتها، تهدم الكوخ على ساكنه في كندهار، وتهدم المسجد على عابده في الكوفة والبصرة، وباقي الأقطار، وتدك المدرسة والمستشفى، في غزة، وكل الأقطار. وما ظلمناهم ـ يعلم الله ـ ولكنهم ظلمونا، وما غزونا وما هددنا أحدا منهم، ولكنهم هم الغازون المعتدون! وإلا فمتى كانت مقديشو تهدد واشنطن، وغزة تمثل خطرا على البيت الأبيض، وكندهار تنذر بغزو الحلفاء والأنصار؟
  • جاء رسل الغرب إلى بلداننا، يتقدمهم العملاء والجبناء فينا، تحميهم الدبابات والطائرات لترويعنا وتخويفنا، ففتح لهم الأولون أكناف البيت ومنابع الزيت، ووطّن لهم الأخيرون قواعد الحكم وبسط النفوذ والصيت.
  •   جاءنا الغزاة، بدساتير مدسوسة، وبانتخابات معكوسة، وبقيادات ممسوسة، فأنتجت هذه الانتخابات مفردات مهملة خالية المعنى، وجمل غير مفيدة المبنى، فأفرزت لنا حكاما يدعوننا إلى التحالف مع المعتدين الغزاة، ويناصبون العداء للمقاومين الأباة.
  •   إنها لمعادلة معكوسة… فالانتخابات في الغرب، تفرز التغيير، والتجديد، والاستئناف، في حين تنتج الانتخابات عندنا، التبذير، والتقييد والاستحلاف (بالحاء المهملة).
  • بين الإرادة القوية، والعزة الأبية، والعزيمة الاستشهادية، والثبات على الهوية، وبين الفكرة القاتلة، القائمة على »المركوبية«، والعمالة الأجنبية، والمعاداة للثوابت الوطنية، نشبت المعركة بيننا وبين الامبريالية والصهيونية. إنها معركة وجود لا معركة حدود، ومعركة عِزة، قبل وبعد معركة كابول، وبغداد، ومقديشو، وطرابلس، وغزة. إنها لعمري المعركة الدائرة عندنا بين الجماهير الشعبية، التي أضحى الموت عندها، كالنوم، كلاهما يسلم إلى حياة أفضل وغد أجمل.
  • وبين المتسلطين على الشعوب، الذين يؤذّنون بالرطانة، ويدعون بدعوى المدنية الجاهلية العلمانية، هم صانعو الأيمة »الطيوانين«، الذين يدعون إلى إمامة الدجاج والنعاج في الصلاة، ويمثلون التيوس المستعارة في قضية المحلل والمحلل له، ولعن الله الاثنين في الفقه الإسلامي، ورحم الله القائل:
  • قد بلينا بأمير
  •            ذكر الله وسبح
  • فهو كالجزار فينا
  •           يذكر الله ويذبح
  •   كان العام المنصرم عام الانتخابات الديمقراطية، التي جاءت بالتغيير في قمة الهرم، وتجديد اللون، والسن والدم، وهي الانتخابات التي جلبت لنا الغم والهم… فباسم الانتخابات الإسرائيلية تقصف غزه وتحاصر، وباسمها تسقط الأشلاء وتتناثر، وتتبجح الشرذمة الصهيونية بالإبادة وتتفاخر، وبمباركة الرئيس الأمريكي القادم، والغابر، إني من كل هذا ـ والله ـ لحائر!
  •   فالانتخابات عند البعض تجديد وتغيير، وعند البعض الآخر تقتيل وتدمير. والانتخابات، عند قوم آخرين ضياع للجهود، وخيانة للعهود، ونكث للعقود، والإبقاء على ما هو موجود!
  • إن الصهيونية رجس من عمل الشيطان، الأكبر »لبئس المولى ولبئس العشير« فما اجتمعا في مكان من وطننا، إلا كان الدمار والقتل، والخراب، وما ابتليت أمة بهما إلا كان المكر والخداع كالسراب، تجسده المفاوضات أحيانا، والتحالف أو التعاهد أحيانا أخرى، وإنها لعمري مفاوضات الذئب والخروف، وينطبق في الداعين إلى التحالف قول الله تعالى »يدعو لمن ضره أقرب من نفعه« لأن المعاهدات، وأنواع التحالف، لا ينتج عنها إلا، سلاسل قيد، وأحابيل صيد تلتوي على الشعوب المبتلاة بها، تتجلى في القمع، والظلم، والاستغلال، وبكم الأفواه، وكبت الأفكار، وتهميش الكفاءات.
  • فهل يستيقظ حكام الشرق على صوت مدافع الغرب، وأزيز طائراته، وأنين ضحاياه وشهيداته؟ أم أن الضمائر قد ماتت والعزائم قد خارت، وأن أصوات القتل والضعف، لا تعدو أن تكون هدهدة للنائم حتى لا يستيقظ؟
  •   لقد بدا الصبح لكل ذي عينين، إلا من جعل الله على بصره غشاوة، وعلى بصيرته غباوة، وإن تعجب فاعجب لديمقراطية تعمل في الغرب على تحقيق الانتصار، ونفس الديمقراطية تنقل إلينا فتشيع فينا التكسير والانكسار؛ ذلك أن مفهوم الديمقراطية المنقوصة قد دهاها ما دهاها… فقد أصبحت تفرز للعالم القتلة وأتباعهم، وتنتج في بلداننا العربية تحديدا المقتولين، والأرامل، واليتامى، والمنكوبين، وما شاهدناه في أفغانستان، وفي العراق، وفي لبنان، وفي الصومال، وفي غزه وفلسطين، لأسوأ تجسيد لمعنى الديمقراطية.
  •   فبأي منطق نخاطب هؤلاء المستضعفين في أوطانهم؟ كيف نقنع المواطن منهم الذي سلب وطنه، وعذب بدنه، فإذا تألم وصرخ، عُدّ ذلك جريمة؟
  •   إننا نقول للغزاة الساخرين من قوة الشعب المستضعفين، لقد رأيتم في أكثر من مكان، من كابول إلى غزه، ومرورا بجنوب لبنان، كيف أن المستضعفين، بإيمانهم بحقهم، ووحدة سلاحهم، كفيلين بأن يسحقوا أغنى، وأقوى قوة.
  •   وإنها دعوة للجماهير الشعبية بأن تبقى ثابتة على مواقفها، وإيمانها، وحزمها وعزمها، فقد أبانت، وأخافت، وأرعبت وأرهبت أعداءها، وجلبت المزيد من الأحرار في عالم الغرب ممن لم يتلوثوا بوباء الصهيونية وتبعاتها. فقد ارتفعت أصواتهم صريحة، وهتافاتهم فصيحة، وجاءت مطالبهم عادلة ومريحة.
  •   وهي دعوة ـ في الختام ـ إلى الحكام أن يعودوا إلى الصف الجماهيري الذي خرجوا منه، وعنه، فسيكونون أقوى وزْناً، وأكثر أمنًا، فعندئذ ستحميهم الجماهير والدساتير، لا الأساطيل والأساطير.
  • وصدق الشاعر:
  • لا يقتضي تبدل الأحوال
  •               ذهاب والٍ ومجيء والٍ.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!