الرأي

ذو العقل يشقى وأخو الجهالة يَنعَمُ!

قادة بن عمار
  • 19902
  • 20
ح.م

من يقرأ العنوان سيتذكر فورا البيت الشعري لأبي الطيب المتنبي الذي يقول فيه “ذو العقل يشقى في النعيم بعقله، وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم”.. والواقع أن هذا البيت يلخص لنا سريعا ما عشناه سنواتٍ وعقوداً، من إهانة مقصودة للعلم والعلماء، مقابل الانتصار للجهل والجهلاء!

أمّا سبب هذا الكلام، فمردّه ما نواجه حاليا من نتائج وتداعيات وخيمة بسبب زلزال كورونا، حيث تحوّلت “العطسة” إلى أخطر من “حزام ناسف”، وباتت “الكمّامة” أهمّ لدى الشعوب والحكومات من الصاروخ والدبّابة، كما تحوّل الأطباء ومختلف أفراد الطواقم الصحية إلى رقم مهمّ جدا في معادلة مكافحة كورونا، أهمّ حتى من السياسيين وكبار المسؤولين، بل ومن الملوك والأمراء والجنرالات!

وفي هذا الوقت بالذات، ليس غريبا أن تقترح أمريكا تأشيرات استثنائية ومفتوحة لهجرة الأطباء والعلماء والممرّضين إليها، فهي وبعد ما تحولت إلى بؤرة جديدة للوباء، لم تعُد قادرة على احتواء الأعداد الكبيرة للمصابين، وما زاد الطين بلة، إدارة الرئيس ترامب للأزمة بتلك النرجسية المختلطة بالغباء، تماما مثل صديقه بوريس جونسون في بريطانيا، فلم يعد الحل سوى الاستنجاد بالعقول والكفاءات مهما كان سعرُها أو مكانها أو جنسيتها!

هكذا تحوّل الأطباء إلى رقم صعب في المعادلة العالمية، ومحليا، راسلهم الرئيس تبون قائلا إنهم يجاهدون لأجل البلاد والعباد في مثل هذه المرحلة الدقيقة، كما تناقل الجزائريون فيديوهات لعدد من أفراد الطواقم الطبية وهم يقفون على “مسافة صفر” في مواجهة الموت، لكن وماذا بعد؟ لا شك أن كورونا سينتهي، لكن بأيّ نتيجة وبأيّ سيناريو؟ لا أحد يعرف. ومع تفاوت الآراء والتوقعات في هذا الإطار، لابد أن نتفق على شيء واحد، أننا أهملنا دور العلم والعلماء في حياتنا، كما لم نمنح قطاعي الصحة والتعليم ما يستحقان من اهتمام وأموال وبرامج وسياسات.

والدليل أنه في الوقت الذي تغازل فيه أمريكا الأطباء، بحّت أصواتُنا طيلة سنوات وسنوات، مرددة بكل أسى، أرقام الأطباء الذين هاجروا بلدهم تحت ضغط التهميش والفقر واللامبالاة، وهؤلاء تجاوزوا الـ10 آلاف طبيب جزائري مختصّ في فرنسا وحدها!
سنواتٌ طويلة ونحن نتأسف ونتأسف دون جدوى، لاحتلالنا المرتبة الأخيرة في البحوث الخاصة بالصحة على مستوى إفريقيا، والمركز الـ101 عالميا في الدول الأكثر اهتماما بالقطاع!
سنوات ونحن نندّد بالسياسات الحمقاء والتهميش المقصود، والفساد المستشري والتكفل الناقص وغياب وسائل العمل وكثرة قضايا المحسوبية وغياب إستراتيجية واضحة لدى وزارة أطلقوا عليها اسم “إصلاح المستشفيات” زورا وبهتانا!
هذا من دون الحديث عن الأطبّاء الشباب الذين هاجروا البلد في أزمة الأطبّاء المقيمين، إذ تم استعمال الهراوات من أجل التحاور معهم، وسالت دماؤهم في الشارع، بعد ما لم يمنحهم وزير القطاع في تلك الفترة، مختار حسبلاوي أكثر من ربع ساعة للحديث معهم عند نشوب الأزمة وقد كان بوسعه احتواؤها بأقل الأضرار!
غدا وعندما ينتهي العالم من غسل يديه من جائحة كورونا، لابد على صانع القرار أن يراجع ميزانية الصحة، ويعطي الأولوية للعلم، ولمكانة الأطبّاء، سواء تعلق الأمر بالبحوث أو بالممارسة من أجل حماية البلد وتحصينه في مواجهة المخاطر. وبالمناسبة، فمثل هذا الأمر لا يعدُّ اختياريا ولا ترفا، بل ستفرضه الخارطة الجديدة التي ستفرزها الحرب الحالية، فما أبأسنا لو خرجنا من الأزمة مثلما دخلنا، وعدنا إلى تهميش العلم والعلماء مقابل الانتصار للتفاهة والتافهين.

مقالات ذات صلة