الرأي

ذيل في فرنسا ولا رأس في الجزائر

كثير من النقاد الرياضيين المحايدين في أوروبا والعالم العربي، لم يفهموا لماذا اختار المدرب الفرنسي “كريستيان غوركوف” ترك جمل المنتخب الجزائري بما حمل، من امتيازات مادية لا يحلم بها أي مدرب، وألقاب قارية مرتقبة، ومشاركة محتملة في كأس العالم، لن يحققها لو درّب قرنا من الزمن في أوروبا، وعاد إلى تدريب ناد صغير قد يكون “نانت أو بوردو”، الذي لن تزيد طموحاته عن لعب ورقة البقاء، في دوري فرنسي، فقد الكثير من بريقه، بدليل أن أكثر من خمس مئة لاعب فرنسي، هجروا هذا الدوري، وهم ينشطون حاليا في أوروبا وآسيا وحتى في أمريكا الجنوبية.

ولأن الرجل مثل الذي سبقه الذي يحمل نفس جنسيته، لا يحلو له الكلام والبوح إلا بين أحضان الإعلام الفرنسي، فقد ترك الناس حيارى، يتساءلون، كيف لشخص ينتمي إلى بلد متحضّر وفي كامل قواه العقلية، يُفضّل أن يكون “نكرة” في دوري “نكرة”، لا يلعب على أي لقب ولو كان “نكرة”، مثل ذيل البدن، على أن يطمح في المشاركة في بطولة العالم، التي تعتبر قمة ما يطمح إليه أي لاعب أو مدرب في عالم كرة القدم، مثل رأس البدن؟

سؤال بقدر ما يُدخل سائله ومن يحاول الإجابة عنه في متاهات لا نهاية لها، بقدر ما يعيدنا إلى القصة التي يبدو أنها صارت أزلية، تلك التي تربط ما بين فرنسا والجزائر، تبدأ بعلامات استفهام، وتنتهي بعلامات استفهام وتعجب، في كل مجالات الحياة من جِدّ الاقتصاد والثقافة والتكنولوجيا، ومن لعب الكرة التي صار قدرنا في ميادينها أن لا نتنفس إلا من الهواء الفرنسي، بدءا باللاعبين الذين يأتون بأقدام وألسنة فرنسية، ونهاية بالمدربين الذين يتعاملون مع الجزائريين من جمهور وصحافة ومسؤولين، بكثير من اللا وضوح إن لم نقل الاستعلاء.

ما يقوله بعض الذين لعبوا الكرة في زمن الثورة الزراعية والقرى الإشتراكية والإصلاح الرياضي فيه جزء من الصواب، وهو ضرورة الاعتماد على النفس أو على الأقل التخلص من القبضة الفرنسية للعبة الوحيدة التي تحقق الإجماع الجزائري، هوسا وعشقا وموالاة. فمن غير المعقول أن يبقى منتخب الكرة في الجزائر، ينتظر لاعبا من مزدوجي الجنسية، يُفكر لعدة أشهر، إن كان سيقف لنشيد قسما، أو يحلم بالوقوف لنشيد “لامارسييز”، وينتظر مدربا فرنسيا ربما تشاركه زوجته وابنه لاعب الكرة في تحديد مصيره، ولا يُشرك الجزائريين الذين فتحوا له أبواب المجد ومنحوه مرتبا لم يسبق لأي جزائري أن ناله، بما في ذلك رئيس الجمهورية.

صحيح أن الرجل يسير على نهج من سبقوه، وصحيح أنه لم يلق أي معارضة وهو يسير على هذا النهج “المبهم”، وصحيح أن بعض الجزائريين أيضا يريدون مثله أن يكونوا أذيالا في فرنسا على أن يكونوا رؤوسا في بلدهم الأصلي، ولكن أليس في هذه الأمة رجل رشيد يردّ للجزائر هيبتها.. لا نقول هيبة في عالم “الجدّ” وإنما على الأقل في عالم “اللعب”؟

مقالات ذات صلة