الرأي

رأسمالية الدولة لخلافة دولة الرأسماليين

حبيب راشدين
  • 1555
  • 7
رويترز
مضخة نفط في دوايت كاونتي بولاية تكساس الأمريكية يوم 13 جانفي 2016

انهيار أسعار النفط، وتعاظم أعداد المحالين على البطالة بأرقام فلكية، وبداية تسجيل عشرات الألوف من حالات الإفلاس للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، بدأ يفرض على الحكومات وعلى قادة الرأي في الإعلام المهين التداول المحتشم لحاجة الدول إلى الخروج السريع من الإغلاق، وإعادة الحياة لاقتصاد عالمي مهدد بموجة غير مسبوقة من الكساد، تنتكس معها الدول حتما إلى إعادة بناء جدار الحماية الجمركي، مع غياب توافق بين الأقطاب المهيمنة حول برتوكول علاج نافع لفيروس الرأسمالية الربوية.

ما هو على المحك، ليس بالضرورة تفكيك أدوات العولمة، التي بلغت أشواطا غير قابلة للمراجعة، مع تشبيك معقد للتبادل التجاري الدولي، وتعشيق لشبكة الإنتاج والخدمات، بقدر ما سنشهد اندلاع صراع مفتوح بين من يريد “إعادة تعيين” الاقتصاد العالمي تحت نفس القيادة المفلسة، لأرباب المصارف ونخبة المرابين، وبين من يناضل تحت نفس الراية الرأسمالية، لصالح اقتصاد رأسمالي معولم، تستعيد فيه الحكومات أدوار القيادة والرقابة على الاقتصاد.

محاولة توظيف جائحة كورونا للتستر على علل الاقتصاد العالمي، لم تفلح في تحميل جائحة كوفيد 19 مسؤولية انهيار الاقتصاد العالمي، الموبوء منذ عقود بنظامه المالي الربوي، الذي لن يستسلم أربابه بسهولة لإجراءات “إعادة تعيين”، قد تسلبهم عوائد ما تراكم لهم من خدمات مديونية عالمية متنامية، قدرها صندوق النقد الدولي سنة 2017 بأكثر من 244 ألف مليار دولار، وبأكثر من 250 ألف مليار سنة 2019، أضيف لها حوالي 9 آلاف مليار منذ بداية جائحة كوفيد 19 لتصل إلى ما يعادل 320 % من الدخل العالمي الداخلي الخام، أو ما يعادل 20 مرة الدخل القومي للخام للصين (ورشة العالم الأولى )، ويعادل 35000 دولار لكل فرد في العالم.

ومع هذا الحجم الهائل من المديونية، لن يكون من السهل إعادة تعيين الاقتصاد العالمي، ومنحه وجهة بديلة تؤمنه من راجفات الأسواق المالية المزمنة، ما لم يراجع النظام النقدي والمالي العالمي، المؤسس منذ نهاية الحرب الكونية الثانية على هيمنة دولار أمريكي، فقد في سبعينيات القرن الماضي غطاءه من الذهب، ويفقد اليوم مع انهيار أسواق النفط غطاءه البديل، لم يمنع الاحتياطي الأمريكي من تشغيل آلة الطبع التي تضخ اليوم ما يعادل نصف الدخل القومي الأمريكي الخام لإنقاذ الاقتصاد الأول في العالم.

وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي ننتمي إليها، يقدر صندوق النقد الدولي ارتفاع المديونية بأكثر من 15%،  بإضافة 90 مليار دولار، لتصل إلى 1460 مليار دولار، مع توقع تراجع اقتصادياتها بأكثر من 3.3 % السنة الجارية، واستحالة التنبؤ بما ستكون عليه السنة القادمة خاصة في الدول النفطية منها.

الخيارات ليست كثيرة أمام الدول العربية في استعداداتها لاستقبال الصدمة، وقد تكون الدول الأقل مديونية، مثل الجزائر، أقدر من غيرها على استيعاب الصدمة، بالتفكير في بعث “اقتصاد انتقالي” يحمي ما بقي من مخزون العملة الصعبة، ليخصص فقط لتغطية فواتير وارداتنا من الغذاء والمدخلات الأساسية للمؤسسات الصناعية، ويتدبر تمويلا غير تقليدي مبتكر لتغطية نفقات الدولية، وحاجة البلاد لتمويل أنشطة منتجة ترفع من قدرات البلاد على ضمان أمنها الغذائي في المقام الأولين.

غير أن الرهان الأكبر سوف يكون على إعادة تأسيس الاقتصاد الوطني بعد استيعاب الصدمة حول قطاعات ثلاثة منتجة للتنمية المستدامة: الفلاحة، والمياه، والطاقات البديلة، المنتجة بدورها لعدد كبير من الصناعات والخدمات من المنبع إلى المصب، نمتلك لها اليوم جميع مقوماتها المالية والبشرية والتكنولوجية، يضاف إليها إعادة توجيه موارد سوناطراك نحو الاستثمار في البتروكمياء، بدل تصدير خامات المحروقات، وانخراطها في تدبير شراكات دولية في الطاقات البديلة.

وكيفما كان تقدير بعض الخبراء لتركيبة الاقتصاد الوطني، فإن امتلاك البلد لقطاع عام قوي في الإنتاج كما في النظام المصرفي، سوف يوفر لنا أفضل الفرص لاستيعاب الصدمة، وتوظيفه بمنسوب أعلى، سواء في المرحلة الانتقالية حتى 2025، أو عند اعتماد اقتصاد بديل، تقطره الأنشطة الإنتاجية والخدمية للقطاعات الثلاث، مع توجيه القطاع الخاص نحو تغطية جزء من احتياجاتنا الاستهلاكية التي لم يعد التراجع المستدام لموارد النفط يسمح بتغطيتها.

مقالات ذات صلة